يُتابع الجيش الروسي هجماته البريّة والجويّة والبحريّة على أوكرانيا، وذلك حتى تحقيق الأهداف التي وضعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين(1). وفي ظلّ معارك ضارية وعمليّات كرّ وفرّ أحيانًا، تُواصل القوّات الروسيّة تضييق الخناق على أحياء العاصمة الأوكرانيّة "كييف" من كل الجهات. والمعركة النهائية مُرتبطة بوُصول وحدات عسكريّة إضافية، للإطباق على المقرات الحكومية وقصر الرئاسة في "كييف"، وبالتالي لإسقاط حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ما لم تنجح المُحادثات في التوصّل إلى تسوية سلميّة. فهل يملك الأوكرانيّون أيّ فرصة للمُقاومة، ولإفشال خطط الغزو الروسي؟.
التفوّق الجوّي للجيش الروسي واضح وحاسم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القُدرة التدميريّة للآلة العسكريّة الروسيّة(2). لكن هذا التفوّق لصالح موسكو، لا يعني حتميّة هزيمة أوكرانيا في الحرب البريّة. وبالمُقارنة بالنموذج الإسرائيلي-اللبناني، إنّ قُدرة الجيش الإسرائيلي على التدمير وسيطرته على الجوّ، لا تسمح له بالتقدّم برًّا، إلا في حال كان مُستعدّا لدفع أثمان باهظة في العديد والعتاد، بسبب سلاح بسيط إسمه "مُضاد للدروع"! صحيح أنّ مُعادلة الصواريخ التي يعتمدها "حزب الله" لإلحاق الضرر بأهداف إسرائيليّة خلال أيّ مُواجهة عسكريّة، غير قابلة للتطبيق في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بسبب إختلاف المساحات الجغرافيّة بين ساحتي الحرب، بحيث أنّ الصواريخ القصيرة والمتوسّطة المدى عديمة الفائدة في حرب أوكرانيا، لكنّ الأصحّ أنّ إستنساخ تكتيك "حزب الله" بإستدراج دبّابات ومُدرّعات الجيش الإسرائيلي لإستهدافها وتدميرها بالصواريخ المُضادة للدروع في الداخل اللبناني، كفيل بإبطاء التقدّم الروسي على مُختلف الجهات، وبإلحاق خسائر فادحة في صفوف الوحدات الغازيّة، وربّما التسبّب بهزيمة الجيش الروسي!.
وليس بسرّ أنّ الجيش الأوكراني بات يملك ترسانة كبيرة من صواريخ أرض-جوّ القادرة على إعتراض الطائرات والطوّافات وإسقاطها، ومن صواريخ المُضاد للدروع القادرة على تدمير الدبّابات والمُدرّعات وكل الآليّات العسكريّة المُهاجمة(3). وفي هذا السياق، أرسلت الولايات المتحدة الأميركيّة خلال الأيّام الماضية 300 صاروخأرض-جوّ من طراز "جافلين" (Javelin)، بعد أن كانت قد أرسلت 210 صواريخ أخرى من هذا الطراز المُتطوّر في نهاية العام الماضي. وأرسلت بريطانيا من جهتها دفعة ضخمة تقدّر بنحو 2000 قطعة، من الجيل الجديد من صواريخ "لو" المُضادة للدروع، بإسم (NLAW) (4).
ويُنتظر أن تصل خلال الأيّام وحتى الساعات المُقبلة، المزيد أيضًا، حيث سترسل هولندا دُفعة كبيرة منالصواريخ مُضادة للدبابات، وسترسل ألمانيا 1000 صاروخ مضاد للدروع، و500 صاروخ "ستينغر" مُضاد للطائرات. وحصل أعضاء في دول حلف "ناتو"، مثل إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا، على ضوء أخضر من "واشنطن"، للقيام بالمثل. يُذكر أنّ وزير الدفاع الأوكراني، ألكسي ريزنيكوف، طالب علنًا بهذه الصواريخ، وقال سلّموها إلى بولندا، ونحن ننقلها إلى أوكرانيا بأساليبنا الخاصة. وتسلّم الجيش اٍلأوكراني أيضًا، مُسيّرات من طراز "بايراكتار تي بي 2" (Bayraktar TB2)من تركيا، قادرة على مُهاجمة المُدرعات من الجوّ، وعلى مدفعيّة عيار 152 ملم. من جمهوريّة تشيكيا، إلخ.
وبالتالي، يُمكن القول إنّه ما لم يُسارع الجيش الروسي على حسم الحرب في القريب العاجل، فإنّ المعارك في الداخل الأوكراني قد تأخذ مُنعطفًا آخر، مع وُصول المزيد من دفعات الصواريخ، بفئتيها المُضادة للدروع والمُضادة للطائرات. وفي حال تكثيف عمليّات المُقاومة كتفجير الجُسور لإعاقة تقدّم الوحدات المُهاجمة، على غرار الخُطوة التي قام بها الجندي "فيتالي سكاكون فولوديميروفيتش" الذي تحوّل إلى بطل قومي في أوكرانيا بعد مقتله(5)، بالتزامن مع إستخدام كثيف لصواريخ أرض-جوّ، وللصواريخ المُضادة للدروع، فإنّ تكرار "سيناريو" حرب أفغانستان غير مُستبعد في أوكرانيا.
في الخلاصة، لا بُدّ من التذكير أنّ الجيش الروسي دخل في العديد من الحروب منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق، أبرزها في الشيشان في العام 1994 ثم في العام 1999، وفي جورجيا في العام 2008، وفي سوريا إعتبارًا من العام 2015، إلخ. وبالتالي، إنّ مُعاقبة روسيا إقتصاديًا، عبر إخراجها من نظام "سويفت" العالمي للتحويلات الماليّة، وفرض عُقوبات مختلفة على إقتصادها وعلى بعض قادتها ومسؤوليها، لن يُثنيها عن مُتابعة معركتها، لكنّ تدمير آليّاتها العسكريّة وقتل جنودها بالصواريخ، من شأنه ربما أن يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إعادة النظر بشروطه القاسية لإنهاء الحرب، علمًا أنّ أوامره برفع الجهوزيّة النوويّة لن يُثني الدول الأوروبيّة وأميركا عن تسليح أوكرانيا.
1- أبرزها تغيير الحُكم في أوكرانيا، وإيصال حُكومة تدور في فلك موسكو وليس الغرب، وطي صفحة إحتمال الإنضمام إلى حلف "ناتو" إلى الأبد.
2 - دمّر الجيش الروسي حتى تاريخه أكثر من ألف مُنشآة عسكريّة، من مطارات وثكنات عسكريّة ومخازن ذخائر، إلخ.
3- تتراوح أسعار كل صاروخ من هذه الصواريخ المتطوّرة ما بين 80 ألف و200 ألف دولار للصاروخ الواحد!
4- إختصارًا لعبارة Next Generation Light Anti-Tank Weapons
5- قام بتفجير جسر مهم لتأخير تقدّم آليّات الجيش الروسي، على الرغم من أنّه فشل في الإنسحاب قبل وُصول الوحدات الغازيّة، الأمر الذي أسفر عن مقتله، لكنّ خطوته سمحت للقوات الأوكرانيّة بالإستعداد للمعركة بشكل أفضل.