اشارت صحيفة "التايمز" الى إن العقوبات على روسيا لا تكفي كما بدا من حالة سوريا، ولفتت الى "إنه بالنسبة للسوريين الذين تجمعوا معا في خيامهم وسط الشتاء البارد، فإن القصف على كييف هو أمر فظيع يعرفونه. وبالنسبة للذين يعيشون في أجزاء أخرى من سوريا وفي المناطق الخاضعة للرئيس السوري بشار الأسد، فإنهم سيراقبون جزءا مختلفا من الحرب الأوكرانية، أي العقوبات الغربية التي أعلن عنها في الأيام الماضي وأحدثت هزات في الاقتصاد الروسي". فقد تشكلت طوابير طويلة -تذكر بأيام الاتحاد السوفييتي- أمام آلات الصرف الآلي، كما بدا واضحا أن هذه العقوبات بدلا من وقف تصدير الغاز، فإنها تستهدف جوهر النظام المالي في روسيا والقائم على 640 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي، والبنك المركزي الروسي. وبالنسبة للروس العاديين، كما في حالة السوريين العاديين وحتى البريطانيين العاديين لا يفهمون التفاصيل الدقيقة للعملات الورقية، ولكنهم يعرفون متى يجب عليهم الحصول على العملات الصعبة قبل أن تختفي في الثقب الأسود.
ولفتت الى ان الناتو اكد إنه لن يذهب إلى حربٍ مع روسيا من أجل أوكرانيا، ولكن سياسة العقوبات هي الأقرب للحرب، كما ثبت مرة بعد الأخرى في العقوبات التي فرضت على صدام حسين وسوريا التي شُلّ اقتصادها بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية، وما حدث لإيران منذ تمزيق دونالد ترامب الاتفاقية النووية عام 2018، وكوريا الشمالية التي تعيش عقوبات دائمة. واشارت الى إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا لديهم فريق كبير من الدبلوماسيين والمحامين الذي يقومون بدوزنة العقوبات كي تمنع الشحن بكل أنواعه والعملة الأجنبية والبروتوكولات المصرفية بحيث تحقق أكبر ضرر على الهدف، أي اقتصاد روسيا.
ورأت أن الساسة الغربيين يؤمنون إيمانا قويا بالعقوبات، لدرجة أن أحدهم لم يفكر ولا لحظة إن كانت وسيلة ناجعة وناجحة، ولا تؤدي إلا إلى زيادة فقر الملايين من المواطنين الذين لا رأي لهم في سياسات قادتهم. وهناك الكثير من الناس خارج الأحزاب السياسية يطرحون هذه الأسئلة، ولكن نُظر إليهم كمدافعين عن الأسد أو صدام، رغن أن بعضهم كذلك. ولكن المعاناة للسوريين العاديين منذ عشرة أعوام بسبب الحرب، أو تصميم نظام كيم جونغ- أون، تدعو الساسة للتوقف لحظة والتفكير. ومسألة العقوبات ليست متعلقة باليمين أو اليسار، فعدد كبير من أكبر الناقدين اليساريين للعقوبات التي فرضت على العراق وسوريا ولاحقا إيران، كانوا من المدافعين عن فرضها على نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا في الثمانينات من القرن الماضي. وعلى جانب اليمين، فالدفاع الذي رفعته مارغريت تاتشر عن سياسة "التواصل البناء" مع جنوب أفريقيا والتي ترى أن عقوبات قاسية ستدفع إلى المعاندة. وقد نسي حزب المحافظين البريطانيين كل هذا، عندما تحمس لفرض العقوبات على نظام صدام حسين. ولم تؤد العقوبات على صدام إلى قبوله بشروط الغرب أو الإطاحة به. وظل بشار الأسد في مكانه، فرجل عبّر عن استعداد لقصف شعبه حفاظا على مملكته، لن تحركه صور طوابير الخبز.
واوضحت الصحيفة أن هذا هو الدرس الأول الذي يجب علينا تطبيقه في عقاب بوتين. فالذين يعتقدون أن العقوبات ستؤدي إلى تغيير النظام في موسكو لم يتمعّنوا بالتاريخ، إلا إذا كنت متفائلا بقوة الديمقراطية الروسية أكثر مما هي عليه. ولم تكن جنوب أفريقيا ديمقراطية بالمعنى الحقيقي، إلا أن الأفريقيين كان لديهم اختيار فوق حكومتهم، ويأخذون بعين الاعتبار تمتعتهم بالألعاب الرياضية الدولية مثل الكريكيت والرغبي. ولن يكون للروس فرصة كهذه في المستقبل القريب. كل هذا لا يعني أن العقوبات لا مكان لها في ترسانة الدبلوماسية، خذ مثلا إيران، نظامها وبرنامجها النووي، اللذين يعدان من أكثر المسائل الخلافية في السياسة الأميركية حاليا، وهذا بالطبع مرتبط بالعلاقة العاطفية مع إسرائيل. وسواء دعمت الصفقة أم لا، فالدول الأوروبية التي تواجه بوتين الآن تدعمها، فاستخدام العقوبات أثبتت أنها محرك رئيسي للدبلوماسية مع إيران.
وحتى خارج البرنامج النووي، فقد أضعفت العقوبات على البنوك والأفراد ذات الصلة بالحرس الثوري من قدرته على نقل الأسلحة الدقيقة للمجموعات الشيعية في المنطقة. وربما كان لها هذا الأثر عندما أرفقت بغارات جوية إسرائيلية على قوافل السلاح التي عبرت سوريا. ويجب أن تكون هذه النقطة حاضرة في الأذهان عندما تبدأ العقوبات بترك مفعولها على روسيا. وهل هي جزء من خطة أوسع لوقف استخدام روسيا القوة؟ وهل ستكون مثل العقوبات على إيران، جزءا من سياسة العصا والجزرة التي تسمح بعرقلة تقدم إيران برنامجها النووي والزعم في النهاية أنها حققت انتصارا محدودا؟
واوضحت "التايمز" إن مقولة شائعة منسوبة للحكيم العسكري الصيني "سان تزو" بدأت بالانتشار في الأيام الأخيرة، حيث جلس بوتين على طاولته الطويلة بشكل أثار تساؤلات حتى الصقور، إن كانت سياسة الاحتواء الغربية المتشددة ربما تحولت لتهديد مستقبلي، خلافا لما قاله الحكيم الصيني: "لو انسحب عدوك، عبّد الجسر له بالذهب".
وإذا لم ينجح بوتين في حملته على أوكرانيا، فسيصبح خطيرا كما في حالة صدام حسين بعد حرب إيران. وقال بوتين: "ما الحاجة للعالم إن لم تكن روسيا فيه؟". ولكن لا يوجد ما يشير إلى الإطاحة به. فسياسة عقوبات مصممة لعزله لا قيمة لها ومحفوفة بالمخاطر. وسياسة عقوبات تهدف لإعادة روسيا إلى المجتمع الدولي أفضل من حصر روسيّ محاصر في ملجئه ومسلح بالأسلحة النووية ويؤمن بالهدف الإلهي.