بالنسبة إلى الكثيرين، لم يكن من المتوقع أن تتدحرج الحرب في أوكرانيا إلى هذا الحد، حيث كان هناك من يعتبر أنها لن تخرج عن الإطار الدبلوماسي، قبل أن تبدأ التحذيرات من إمكانية أن تصل إلى حرب عالمية ثالثة أو حرب نووية، لا سيما بعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع القوات النووية في حالة إستعداد قتالي، الأمر الذي من المفترض التوقف عنده مطولاً، من أجل فهم حقيقة الصراع الدائر في الوقت الراهن.
في الصورة العامة، تخاض العديد من الحملات الإعلامية والدبلوماسية حول ما يجري على أرض الواقع، خصوصاً لناحية رفع الدول الغربية لواء الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن في العلاقات الدولية لا ينبغي تجاهل مصالح الدول، تحديداً ما يتعلق منها بما تعتبره تهديداً لأمنها القومي. من هذا المنطلق، ينبغي التوقف عند بعض التحذيرات التي كان قد أطلقها، في السنوات الماضية، مجموعة من الباحثين في مجال العلاقات الدولية، التي تصب في إتجاه التأكيد على أن التحرك الروسي كان متوقعاً، وبالتالي لم يكن من المستغرب أن تذهب موسكو إلى هذا التحرك السريع.
في هذا السياق، كان الدبلوماسي السابق والمفكر جورج كينان قد أشار، في العام 1998، إلى أن توسع حلف الناتو في الجوار الروسي هو بداية لحرب باردة جديدة وخطأ مأساوي لا سبب له على الإطلاق. بينما كان وزير الخارجية الأميركية هينري كيسنجر، في العام 2014، قد رأى أنه لا ينبغي أن تنضم أوكرانيا إلى الناتو، في حين لفت، في مقال له نُشر قبل أيام، إلى أنه "في كثير من الأحيان يتم طرح القضية الأوكرانية على أنها مواجهة: فيما إذا كانت أوكرانيا ستنضم إلى الشرق أو الغرب"، ورأى أنه "إذا كان لأوكرانيا أن تعيش وتزدهر، فلا يجب أن تكون نقطة استيطانية لأي من الجانبين ضد الآخر، بل يجب أن تعمل كجسر للوصل بينهما".
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، في العام 2015، أن "الغرب يقود أوكرانيا على طريق زهرة الربيع والنتيجة النهائية هي أن أوكرانيا ستدمر"، قبل أن يعود، في الأيام الماضية، ليتحدث في مقابلة مع مجلة "ذي نيويوركر" عن أن الولايات المتحدة هي من أخطأ عبر استفزاز روسيا، مشيراً إلى أن "المشاكل الفعلية المرتبطة بهذه المسألة بدأت في نيسان عام 2008، خلال مؤتمر قمة "حلف شمال الأطلسي" في بوخارست"، موضحاً أنه "عقب المؤتمر، أصدر الحلف بياناً أعلن فيه نيّته ضم أوكرانيا وجورجيا. وآنذاك، أكد الروس بوضوح تام أنهم يعتبرون هذه الخطوة تهديداً وجودياً لهم".
من جانبه، أشار السفير الأميركي الأسبق لدى الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي جاك إف ماتلوك جونيور، في مقاله الذي نشره موقع مجلة "ريسبونسبل ستيت كرافت" التابعة لمعهد كوينسي الأمريكي لفن الإدارة الرشيدة، إلى أنه "بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، أخبرتُ مجلس الشيوخ أن توسع الناتو سيقودنا إلى الوضع الذي نواجهه اليوم"، لافتاً إلى أننا "نواجه اليوم أزمة بين الولايات المتحدة وروسيا كان يمكن تجنبها وقد كانت متوقعة، وتسارعت مجرياتها عن عمد، ولكن يمكن حلها بسهولة من خلال تطبيق المنطق السليم".
في الإطار نفسه، يمكن العودة إلى موقف لوزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس بيل كلينتون وليام بيري، الذي كان من معارضي توسع "الناتو"، حيث أشار، في مذكراته، إلى أن هذا الأمر هو سبب تمزق العلاقة مع موسكو، مؤكداً أنه كان يعارض هذا الأمر وفكر بالإستقالة من منصبه بسببه. أما المفكر الأميركي نعوم تشومسكي فقد رأى، في العام 2015، أن فكرة انضمام أوكرانيا إلى تحالف عسكري غربي ستكون غير مقبولة تماماً لأي زعيم روسي.
أما الكاتب الأميركي جيفري ديز ساكس، فكان قد أشار، في مقال له نُشر مؤخراً، إلى أن أصدقاء أوكرانيا في الغرب يزعمون أنهم يحمونها بمناصرة حقها في الإنضمام إلى الناتو، لافتاً إلى أن العكس هو الصحيح، نظراً إلى أنهم في مناصرتهم لحق نظري يعرضون أمن أوكرانيا للخطر بإثارة احتمالية وقوع غزو روسي، فيما يمكن الدفاع عن استقلال أوكرانيا بصورة أكثر فاعلية من خلال التوصل إلى اتفاق مع روسيا يضمن سيادة أوكرانيا كبلد غير عضو في الناتو، على نحو يماثل وضع النمسا وفنلندا والسويد.