كل الكلام الذي صدر عن المسؤولين الرسميين في الدولة اللبنانية، وعن بعض رؤساء الاحزاب والتيارات السياسية، وعن ممثلين عن الحراك الشعبي، لم تتمكّن من قطع الشك باليقين حول حتمية حصول الانتخابات النيابية في شهر ايار المقبل. ولكن هذه المعطيات تغيّرت في يوم واحد، وذلك حين تقدّم رئيس المجلس النيابي نبيه بري بترشيحه رسمياً، واعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اسماء مرشحي الحزب وتأكيده ان الانتخابات قائمة. اهمية هذين الموقفين تنبع من تسليم الجميع بأنه كان يمكن لـ"الثنائي الشيعي" قلب مقاييس العملية الانتخابيّة برمّتها، ليس لان الاطراف الباقية متعطشة لاجراءالانتخابات، بل لانها غير قادرة على القيام بأيّ اجراء من شأنه التأثير سلباً على الانتخابات ولو انها ترغب في ذلك.
وبعد الكثير من التوقعات والتشكيك باجراء الانتخابات، يبدو ان المصالح الخارحيّة التقت على مسار واحد، وكان ثمرة هذا اللقاء اجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، وهو امر نادى به الغرب واعتبره شرطاً اساسياً كي تكرّ سبحة الاجراءات الاخرى اكانت دبلوماسية واقتصادية ومالية... ومن تابع بيان وفد الخزانة الاميركية الذي زار لبنان ونشرته السفارة الاميركية في بيروت، لاحظ ان احد الامور المهمة التي تضمنها هو وجوب "اجراء اصلاحات حقيقيّة تسبق الانتخابات"، في حين غاب ذكر التشديد على اهميّة وضرورة اجراء الانتخابات في موعدها، على غرار ما كان يصدر من بيانات ومواقف لمسؤولين اميركيين وغربيين على حد سواء. وعليه، يمكن القول ان قطار الانتخابات وضع على سكّته، وان نتائجه باتت معروفة سلفاً، من دون الادّعاء بالتنبؤ ولا بقراءة المستقبل، انما من خلال استشراف الافق الدبلوماسي والتطورات السياسية التي تشهدها اكثر من دولة في العالم والتي تصب دائماً في لبنان. ووفق ما هو ظاهر، فإن الجميع خارج لبنان اتفق على وضع المواضيع الخلافيّة في خانة اخرى، والسير بموضوع التفاهم على اجراء الانتخابات مهما كانت نتيجتها، اذ لم تعد القوى الدوليّة الغربيّة مهتمّة بوصول كتلة وازنة من خارج الاحزاب والتيّارات السياسية المعروفة في لبنان، وستقبل بما سيتمّ تقسيمه من نفوذ بين الاطراف اللبنانيّة التي سيتراجع بعضها قليلاً ويتوسّع بعضها الآخر، من دون ان يؤثّر على المشهد العام للبرلمان، في سيناريو شبيه نسبياً للانتخابات الاخيرة.
وفي حين سيغيب تيار المستقبل عن البرلمان، سيبقى حضوره المعنوي قائماً، ومن المرجّح جداً سقوط احتمالات فوز صاحب اكبر تمثيل نيابي مسيحي (ماروني تحديداً) برئاسة الجمهوريّة بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي، لانّ المسألة ستبقى خاضعة للمزاج الخارجي، الاقليمي والدولي، الذي سيحدد قوانين اللعبة واختيار الرئيس ويترك هامش التحرك ضمن سقف معيّن للاعبين اللبنانيين.
انطلق قطار الانتخابات بشكل رسمي، وكان من المتوقع طبعاً حصول شد عصب كبير للناخبين، وتصوير الامور وكأنها هي التي ستحدد مصير لبنان وستنتشله من مشاكله والمستنقع الغارق فيه، وستؤدي الى تشكيل طبقة سياسية جديدة غير تلك التي اعتاد عليها اللبنانيون منذ عقود طويلة من الزمن... ولكن اثبتت التجارب السابقة وحكم التاريخ بما لا يقبل الشك، ان لا شيء سيتغيّر وان كل ما يقال انما هو صورة وهميّة توضع لتمرير مرحلة زمنيّة وقتيّة، تعود بعدها الامور الى ما كانت عليه.
هذه هي المعادلة القائمة والباقية على حالها، بموافقة ورعاية وضمانة خارجيّة، بحيث لا تنفع الشكوى ولا ينفع العتب واللوم، فما هي مصلحة العالم اجمع في ان يكون للبنان قراره واستقلاليته التامة، اذ كيف يمكن عندها تمرير مصالح الدول الاقليميّة والدوليّة من خلال هذا البلد؟ انها لعنة الطائفيّة التي فتح لها اللبنانيون الباب واسعاً امامها ولم يعد بالامكان اغلاقه.