تتضارب الآراء والتحليلات بشأن النتائج المُرتقبة للإنتخابات النيابيّة المُقرّرة في أيّار المُقبل، ما لم تحصل أيّ مفاجأة. وكما أنّ التكهّنات مُتضاربة بشأن واقع القوى الحزبيّة الشعبي عشيّة الإنتخابات، التكهّنات أكثر تضاربًا بشأن الحصّة الإجماليّة التي ستحصدها شخصيّات وقوى ما يُعرف بإسم "المُجتمع المدني"، أو قوى "المُعارضة" وحتى "الثورة"، حيث يتحدّث المُشكّكون عن فوز مَحدود لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، بينما يذهب الداعمون إلى الحديث عن فوز كبير مُرتقب قد لا يقلّ عن عشرين مقعدًا نيابيًا. فأين الحقيقة من هذه الأرقام المُتباينة؟.
بداية لا بُدّ من التذكير أنّ قوى "المُجتمع المدني" كانت قد رشّحت في إنتخابات العام 2018 ما مجموعه 105 مُرشّحين، فشلوا جميعهم في الوُصول إلى الندوة البرلمانية، بإستثناء بولا يعقوبيان(1). وحصد مُرشّحو "المُجتمع المدني" آنذاك 45104 أصوات تفضيليّة، بنسبة 2,56% من إجمالي الأصوات التفضيليّة في كلّ لبنان. وعلى الرغم من أنّ هذا العدد يفوق مثلاً مجموع الأصوات التفضيليّة التي نالها "تيّار العزم" وحلفاؤه مثلاً (39586 صوتًا تفضيليًا)، لم يتمكّن "المُجتمع المدني" من الوُصول بأكثر من نائب واحد إلى البرلمان، بينما وصل "تيّار العزم" مع حلفائه بأربعة نوّاب، والسبب تشتّت أصوات مُؤيّدي "المُجتمع المدني" في كل لبنان، وكذلك إنقسامهم وتوزّعهم على أكثر من لائحة في أكثر من مكان، ما أسفر عن الفشل في تأمين "الحاصل الإنتخابي" في كلّ الدوائر الإنتخابيّة، ما عدا دائرة بيروت الأولى حيث كانت نسبة التصويت مُتدنّية إجمالاً، وبلغت 33,19%(2).
لكن كل هذه الأرقام سُجّلت قبل أربع سنوات، وقبل إحتجاجات 17 تشرين الأوّل 2019، وقبل تفاقم النقمة الشعبيّة العارمة على الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة، وقبل سُقوط شرائح واسعة من اللبنانيّين تحت وطأة المُتطلّبات الحياتيّةوالمعيشيّة الضاغطة. ولا شكّ أنّ المزاج الشعبي تغيّر إلى حدّ ما، لكن من دون أن يكون مَضمونًا ما إذا كان المُنسَحبُون من تأييد الأحزاب والقوى الحزبيّة والشخصيّات التقليديّة، سيذهبون نحو مُرشّحي "المُجتمع المدني" أو سيكتفون بمُقاطعة الإنتخابات، وبالتفرّج على النتائج. ولا يُمكن معرفة حجم الزيادة التي ستلحق بمجموع أصوات لوائح "المُجتمع المدني" في مُختلف المناطق، علمًا أنّ نتائج الدورة الإنتخابيّة السابقة كانت قد أظهرت وُجودًا قويًا لما يُسمّى "مُعارضي المَنظومة" في دوائر مثل بيروت الأولى والثانية وجبل لبنان الرابعة، على سبيل المثال لا الحصر.وتبقى الكلمة الفصل لما سيُحقّقه "المُجتمع المدني" في الدورة الإنتخابيّة المُقبلة، للإعتبارات التالية:
أوّلاً: أن يتمّ تشكيل لوائح مركزيّةومُوحّدة في كلّ الدوائر، وليس لوائح مُتعدّدة ومُتنافسة ضُمن الدائرة الواحدة، ما يؤدّي حُكمًا إلى تشتّت أصوات المُعارضين، وبالتالي إلى إضعاف تأثيرها، لصالح لوائح الأحزاب التي يتقيّد قسم كبير من مُناصريها بتعليمات القيادة وبتوجيهاتها.
ثانيًا: أن يتمّ تشكيل لوائح قويّة تضمّ شخصيّات أكاديميّة وتكنوقراط تتمتّع بسمعة جيّدة، وبالحد الأدنى من الشهرة، لأنّ تقديم لوائح تضمّ شخصيّات إنتهازيّة ووُصوليّة، وأخرى تستسهل تبديل البندقيّة من كتف إلى كتف، وثالثة تُخفي هويّات سياسيّة مُبطّنة، لا يُساعد إطلاقًا على جذب تأييد الجُمهور المُحايد أو الناقم على القيادات التقليديّة وتلك التي سبق إختبارها.
ثالثًا: أن يتمّ إعلان برامج عمل واضحة، وتسويقها إعلاميًا بشكل جيّد لدى الجمهور الناخب، وعدم الإكتفاء بمُجرّد إنتقاد الطبقة الحاكمة، كلّها من دون إستثناء، وبطرح شعارات نظريّة طنّانة غير قابلة للتطبيق أو التنفيذ عمليًا، في بلد كلبنان يفتقر إلى التمويل اللازم للمشاريع،ويُعاني من إنقسامات حادة على المُستويات السياسيّة والحزبيّة والطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة وحتى الطبقيّة، إلخ.
في الخُلاصة، لا يُمكن إطلاقًا الحديث عن أرقام إنتخابيّة نهائيّة، لا للمُجتمع المدني، ولا حتى للأحزاب والقوى السياسيّة المعروفة، قبل إقفال باب الترشيحات، ومعرفة تركيبة كلّ اللوائح، وعددها، وطبيعة التحالفات النهائيّة التي نُسجت، وخُصوصًا معرفة التطوّرات التي ستؤثّر على المزاج الشعبي عشيّة الإنتخاباتوفي نهار الإنتخاب.