تُمثّل العلاقات الأَكثر دفئًا بَيْن أَلمانيا وروسيا، "مُؤشّرًا" إِلى نهاية "النّظام العالميّ الأحاديّ القطب"، الّذي استفردت الولايات المُتّحدة، بقيادته على مدار السّنوات الطّويلة الماضية... كما وأَنّ التّحالُف الأَلمانيّ–الرُّوسيّ، مِن شأنه أَيضًا أَنْ يُسرّع انحدار القُوّة العُظمى الّتي تقترب الآن مِن الهاوية!.
إِنّه السّبب في أَنّ واشنطن مُصمّمةٌ على بذل كُلّ ما في وسعها، لتدمير "نورد ستريم-2"، وإِبقاء أَلمانيا في مدارها. إِنّها مسأَلة بقاءٍ!... إِنّه مَوْقِع أُوكرانيا، في الصُّورة العامّة للوضع الرّاهن. فأُوكرانيا هي "السّلاح الأمضى" لواشنطن لنسف "نورد ستريم-2"، ووضع إِسفين بَيْن أَلمانيا وروسيا. هذه الاستراتيجيّة مأخوذةٌ مِن الصّفحة الأُولى مِن كُتيّب السّياسة الخارجيّة الأَميركيّة تحت عنوان: "فرّق تَسُد"!...
هذا الـ"فرّق تسُد"... يبدو أَنّه يُترجَم ميدانيًّا على الأَرض بسعيٍ إِلى الحسم، فيما أَعلن مُستشار الرّئيس الأُوكرانيّ فلاديمير زيلنسكي، الأحد الماضي، إِنّ "موسكو ستُحاول الاستيلاء على كييف في الأَيّام القليلة المُقبلة"!.
الحملة على بوتين
بدايةً، وفي الشّأن الأَميركيّ، تحتاج واشنطن إِلى خلق تصوّرٍ بأَنّ روسيا تُشكّل تهديدًا أَمنيًّا لأُوروبا، إِذ يهدف الأَميركيّ إِلى إِثبات أَنّ فلاديمير بوتين "مُعتدٍ"، "متعطّش للدّماء"، "صاحب مزاجٍ صعبٍ"، ولا يُمكن الوثوق به. ولهذه الغاية، تمّ تكليف وسائل الإِعلام بالتّرويج مرارًا وتكرارًا لمقولة أَنّ "روسيا تُخطّط لغزو أُوكرانيا". وما لم يُقَل بعد هو أَنّ روسيا لم تغزُ أَيّ دولةٍ مُنذ تفكُّك الاتّحاد السّوفياتيّ السّابق، وأَنّ الولايات المُتّحدة هي الّتي غزت وأَطاحت بأَنظمةٍ في أَكثر مِن 50 دولةً في الفترة الزّمنيّة نفسها، وهي مَن يحتفظ بأَكثر مِن 800 قاعدةٍ عسكريّةٍ في مُختلف أَنحاء العالم. وسائل الإِعلام لا تتحدّث أَبدًا عن هذه الوقائع والحقائق والمُسلّمات، ولكنّها تُوظّف كُلّ إِمكاناتها وتركيزها على "بوتين الشرّير" الَّذي حشد نحو 100 أَلف جُنديٍّ على طُول الحُدود الأُوكرانيّة، و"يُهدّد بإِغراق أُوروبا بأَكملها في حربٍ دمويّةٍ أُخرى"!.
تصنيع أَزمةٍ
وتُجرى كُلّ هذه الدّعاية الحربيّة الهستيريّة، بهدف تصنيع أَزمةٍ، يُمكن استخدامها لعزل روسيا وشَيْطَنَتها، وفي النّهاية تقسيمها إِلى مجموعاتٍ صغيرةٍ. ومع ذلك، فإِنّ الهدف الحقيقيّ ليس روسيا، بل أَلمانيا. وهذا ما يُؤكّده مايكل هدسون، في مقال نشره موقع “The Unz Review” بعنوان "أَعداء أَميركا الحقيقيّون هم حلفاؤها الأُوروبيّون وغير الأُوروبيّين"، جاء فيه: "الخيار الوحيد المُتبقّي أَمام الدّيبلوماسيّين الأَميركيّين، لمنع عمليّات الشّراء الأُوروبيّة، هي جرّ روسيا إِلى القيام بعملٍ عسكريٍّ، ومِن ثمّ الادّعاء بأَنّ الانتقام مِن هذا الفعل يفوق أَيّ مصلحةٍ اقتصاديّةٍ وطنيّةٍ بحتة"، وهذا ما أَوضحته وكيلة وزارة الخارجيّة للشّؤون السّياسيّة فيكتوريا نولاند، عندما قالت في إِيجازٍ صحافيٍّ لوزارة الخارجيّة في 27 كانون الثّاني الماضي: "إِذا غزَت روسيا أُوكرانيا بطريقةٍ أَو بأُخرى، فإِنّ نورد ستريم-2 لن يمضيَ قُدمًا".
إِلى ذلك، يسعى فريق الرّئيس الأميركيّ جو بايدن إِلى "حضّ روسيا على ارتكاب عملٍ عسكريٍّ مِن أَجل تخريب "نورد ستريم-2". وهذا يعني أَنْ سيكون ثمّة نوعٌ مِن الاستفزاز الهادف إِلى حضّ بوتين على إِرسال قُوّاته عبر الحُدود، للدّفاع عن الرُّوس في الجزء الشّرقيّ مِن البلاد. إِذا بلع بوتين الطُّعم، فسيكون الردّ سريعًا وقاسيًا: هذا ما كان مُخطّطًا له أميركيًّا، وستُثبت الأَيّام دقّة حسابات كُلٍّ مِن الجبّارَين: الكاوبوي الأميركيّ أَو الدبّ الرّوسيّ!... إِلى أَن يأتي الخبر اليقين، فينزع بوتين عنه لَبوس "هتلر الجديد"، إِذا أَثبت أَن ثمّة غباشةً أَميركيّة، على البصيرة الأُوروبيّة!.