إذا صدقت الوُعود وفشلت مُحاولات التأجيل القائمة على قدم وساق-ولوّ خلف الكواليس وبأساليب غير ظاهرة للعيان، وبغضّ النظر عن الخلافات بشأن مراكز الإنتخاب المركزيّة الكُبرى (أو "ميغا سانترز")، فإنّ الإنتخابات النيابيّة يُفترض أن تتمّ في 15 أيّار المُقبل. وبالتالي وبحسب القانون، يُقفل باب الترشيحات الذي كانت وزارة الداخليّة قد فتحته في كانون الثاني الماضي، في 15 آذار الحالي(1)، أي يوم الثلاثاء المُقبل، على أن ينتهي موعد تسجيل القوائم الإنتخابيّة للمُرشّحين لدى وزارة الداخليّة في 4 نيسان المُقبل. فماذا سيحصل في الأيّام، وحتى في الساعات القليلة المُقبلة، على صعيد الملفّ الإنتخابي؟!.
بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّه على بُعد أيّام مَعدودة على إقفال باب الترشيحات نظريًا، ما زال عدد المُرشّحين محدودًا جدًا، وهو بالكاد يكفي لتعبئة المقاعد النيابيّة المئة والثمانية والعشرين! والأسباب مُتعدّدة، وأبرزها أنّ الكثيرين يُراهنون على تأجيل الإنتخابات، ومنها أيضًا أنّ كل القوى السياسيّة والحزبيّة تُواجه صُعوبات في حسم خياراتها النهائيّة للمعركة، نتيجة ضُعف في بعض الدوائر، وتجنّبًا لخلافات داخل صُفوفها ستحدّ من قُدرتها على كسب الحواصل، وكذلك بسبب قيامها بحسابات سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة ومناطقيّة دقيقة، فرضها القانون الإنتخابي المُعتمد، خاصة على مُستوى "الصوت التفضيلي" ولعبة "الحواصل" و"كسر الحاصل الأعلى". وبالنسبة إلى الطامحين المُصنّفين "مُستقلّين"، وأولئك المَحسوبين على "المُجتمع المدني"، فهم بدورهم يبحثون عن موقع مَضمون على اللوائح الإنتخابيّة، قبل تكبّد عناء تقديم ترشيحاتهم.
والأكيد أنّ الأيّام القليلة المُقبلة، حاسمة جدًا بالنسبة إلى كل الجهات التي ستتنافس في الإنتخابات، حيث يُنتظر-وما أن يتمّ التأكّد من أنّ الإنتخابات ستُقام في موعدها، أن تُحسم أسماء كامل المُرشّحين، على أن يلي ذلك وضع اللمسات الأخيرة على تركيبات أغلبيّة اللوائح المُتنافسة، ما لم يكن عليها كلّها. وبحسب آخر المَعلومات، يُمكن إختصار الواقع الإنتخابي لمُختلف القوى السياسيّة المُتنافسة، وتوقّع ما ستحمله الأيّام والساعات المُقبلة، على الشكل التالي:
"حزب الله" و"حركة أمل" حسما خياراتهما الإنتخابيّة بشكل نهائي حزبيًا، وهما يضعان حاليًا اللمسات الأخيرة على بعض أسماء "الحُلفاء" على لوائحهما، حيث يخضع هذا الأمر لحسابات تهدف إلى عدم التسبّب بأيّ خلافات ضُمن قوى وأحزاب تحالف "8 آذار" السابق، مثل "القومي" و"الديمقراطي اللبناني" و"التوحيد العربي" و"البعث الإشتراكي" والمردة"، إلخ. وضُمن بعض شخصيّات محور "المُمانعة". كما يعمل "الحزب" أيضًا على مُعالجة الشوائب بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"حركة أمل" في بعض الدوائر، حتى لا يؤثّر هذا الأمر على حساباته الإنتخابيّة العامة.
حزب "القوّات اللبنانيّة" حسم بنسبة مُتقدّمة أسماء مُرشّحيه الحزبيّين، وهو يعمل على إستكمال أسماء هؤلاء في دوائر قليلة مُتبقّية، والأهمّ على إختيار المُرشّحين "الحُلفاء" الذين يُعوّل عليهم حزب "القوات" لرفع حجم "الحواصل الإنتخابيّة" أوّلاً، ولرفع عديد كتلته النيابيّة ثانيًا.
"التيّار الوطني الحُرّ" يؤخّر إعلان أسماء مُرشّحيه بشكل رسمي حتى نهاية المُهلة القانونيّة المُتاحة، حتى لا يتسبّب بمزيد من الخلافات والإنقسامات الداخليّة التي نجمت إثر التصفيّات التأهيليّة الداخليّة. ويتردّد أنّ عطلة نهاية الأسبوع المُقبلة ستكون نهائيّة لحسم أسماء مُرشّحي "التيّار البرتقالي" في مُختلف الدوائر، في حال لم يطرأ أيّ تعديل على موعد إجراء الإنتخابات.
"الحزب التقدّمي الإشتراكي" يُحاول جاهدًا عدم تحجيم كتلته النيابيّة أكثر فأكثر، حيث قرّر أن يتحالف مصلحيًا مع "القوات" في بعض الدوائر، وهو يُنسّق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي لحفظ موقعه في دوائر أخرى، ويسعى إلى تسويات في دوائر ثالثة تجنّبًا لدُخوله في معارك "كسر عظم" فيها.
وَرَثة "تيّار المُستقبل"-إذا جاز التعبير، يُواجهون بدورهم أكثر من مُعضلة، أوّلها صُعوبة التوفيق بين تعبئة الفراغ الذي أحدثه قرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالعزوف عن خوض المعركة الإنتخابيّة، لكن من دون الإختلاف مع رئيس "التيّار الأزرق"، ومن دون خسارة أصوات جزء من "مُناصري المُستقبل". وهم يسعون أيضًا إلى عدم ترك الساحة خالية لمُرشّحين لا يُمثّلون "الحريريّة السياسيّة" التي كانوا قد بنوا عليها كل خُطابهم السياسي. والساعات المُقبلة حاسمة لتحديد الشخصيّات "المُستقبليّة" التي ستخرج من "التيّار الأزرق" لتخوض معركة الإنتخابات، ولتلتقي مع شخصيّات سُنّية مناطقيّة إستكملت عدّتها الإنتخابيّة. لكن من دون قيادة مركزيّة، من المُتوقّع الخروج بأكثر من لائحة مُتنافسة ضُمن اللون الواحد، علمًا أنّ "قيادة المُستقبل" لن تُسهّل عمليّة "وراثتها"، بحسب المُؤشّرات الأوّليّة.
ما يعرف بإسم "المُجتمع المدني" يواجه من جهّته مُعضلة توحيد اللوائح في ظلّ الإنقسامات التي لا تزال قائمة، والفيتوات المُتبادلة على مُرشّح هنا، وعلى تحالف مع حزب أو تيّار هناك، وعلى شخصيّة "مُستقلّة" هنالك. ومن المعروف أنّه في أيّ دائرة يُشارك مُرشّحو "المُجتمع المدني" بلائحة واحدة ستكون فرصهم بالخرق كبيرة جدًا، والعكس صحيح.
في الخُلاصة، مصير الإنتخابات النيابيّة ككلّ لا يزال على المحكّ، وفي حال ثبت العكس في الأيّام المُقبلة، فإنّ اللمسات الأخيرة على أسماء المُرشّحين، وعلى اللوائح المُتنافسة، ستتظهّر بسرعة كبيرة. وعندها سيبدأ الجدّ بدرس وتحليل فرص فوز كل لائحة منها، وفق معايير حسابيّة دقيقة، علمًا أنّ هموم أغلبيّة الناخبين هي حاليًا في مكان آخر مُختلف تمامًا، حيث أنّ المصاعب المعيشيّة والحياتيّة والضيقة الماليّة هي الطاغية على كل ما عداها!.
(1) جاء في البند الأوّل من المادة 46 من قانون الإنتخاب بأنّه "يُقفل باب الترشيح قبل الموعد المُحدّد للإنتخابات بستّين يومًا".