يبدو أن تداعيات الحرب في أوكرانيا على منطقة شرق المتوسط لن تقتصر على إرتفاع أسعار المحروقات وبعض السلع الأساسية، بل من الممكن أن تنتقل إلى ما هو أبعد من ذلك، لا سيما إذا ما قررت الولايات المتحدة الإعتماد على غازها ليكون هو البديل عن الغاز الروسي، بالنسبة إلى حاجة القارة الأوروبية من هذه السلعة الإستراتيجية.
في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى بعض المعطيات، قبل الإنتقال إلى الحديث عن التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك: المعطى الأول يكمن بأن المشروع السابق، الذي كان من المفترض أن يعتمد على الغاز القطري، غير ممكن تطبيقه في المدى المنظور، نظراً إلى أن هذا الأمر من الممكن أن يؤثر على إمدادات دول شرق آسيا، التي تصبح مضطرة للإعتماد على الغاز الروسي، وبالتالي ما خسرته موسكو في أوروبا تعوّضه من هذه الدول، مع العلم أن خط إمداد القارة العجوز بالغاز القطري يجب أن يكون عبر الأراضي السورية، حيث الوجود الروسي الفاعل.
المعطى الثاني، يكمن بما كان مطروحاً خلال مفاوضات الإتفاق النووي السابقة مع إيران، أي الإعتماد على طهران للمساعدة في هذا المجال، إلا أن الأخيرة كانت، منذ ذلك الوقت، قد رفضت التفاوض حول هذا الأمر، مع العلم أن استهلاكها من الغاز الطبيعي كبير، وبالتالي لا يمكن أن تكون هي البديل الإستراتيجي بأيّ شكل من الأشكال، من دون تجاهل تحالفها مع كل من روسيا والصين.
بناء على ما تقدم، يصبح غاز البحر المتوسط هو الحل الوحيد المتاح، نظراً إلى أنه لا يؤدي إلى نقص الإمدادات في أي مكان، إلا أن هذا الأمر يصطدم بالعديد من العقبات، أبرزها وجود مجموعة واسعة من الخلافات التي تحتاج إلى معالجة بين دول المنطقة، قد يكون أبرزها الموقف التركي، نظراً إلى أن أنقرة ليست جزءاً من منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم: إسرائيل، مصر، الأردن، فلسطين، اليونان، قبرص، إيطاليا، فرنسا، كما أن لديها مشاكل حدودية مع كل من قبرص واليونان.
في هذا المجال، من الممكن الإشارة إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ إلى تركيا، بعد أن كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن، الشهر الماضي، أن بلاده وإسرائيل يمكنهما العمل معا لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا. بينما نقلت وسائل اعلام عن مسؤول تركي بارز، في الاسبوع الماضي، تأكيده أن "غزو روسيا لأوكرانيا أظهر وجود حاجة لخطوات ملموسة لتنويع مصادر الطاقة في السوق"، لافتاً إلى أن "من الحيوي للغاية نقل موارد الغاز الإسرائيلي إلى تركيا ومن هناك إلى الأسواق الأوروبية".
من ضمن العقبات التي تحتاج إلى معالجة، الخلاف القائم حول ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، نظراً إلى أنّه في ظل الموقف المعلن من قبل "حزب الله"، قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية بحال ذهاب تل أبيب إلى أي إستثمار في المنطقة المتنازع عليها من دون إتفاق بين الجانبين، في حين أن الشركات الكبرى لا يمكن أن تعمل في بيئة متوترة، بالإضافة إلى عقبة أخرى تكمن في أن واشنطن، بالنسبة إلى هذا الخيار، متأخّرة من حيث الدراسات والمشاريع التنفيذيّة، وبالتالي أي تطبيق لهكذا مخطط يحتاج إلى الكثير من الوقت.
وفي حين من المتوقع أن تذهب أنقرة إلى الإلتحاق بأي مخطط من هذا النوع، بالرغم من أنها ترتبط بمشروع مع موسكو لنقل غازها إلى أوروبا، خصوصاً إذا قررت الدول الأوروبية التوقف أو الحد من الإعتماد على الغاز الروسي، لا يمكن تجاهل معطى أساسي على هذا الصعيد يكمن بأن موسكو غير غائبة عن المنطقة، حيث أنها تتواجد بشكل قوي على الساحل السوري، كما أنها متواجدة في دول أخرى بأشكال مختلفة، سواء كان ذلك عبر حلفاء لها أو عبر شركاتها المشاركة في عمليات التنقيب عن الغاز، وبالتالي هي لن تبقى في موقع المتفرج على ما يحصل.
ما تقدم يقود إلى معادلة روسيّة ثابتة، تنطلق من أنها تدرك جيداً أن غاز شرق المتوسط هو المنافس الأول لغازها، لذلك كانت تطرح نفسها كضامن لكافة الأفرقاء المعنيين، فهي لها علاقات متوازنة مع أغلبهم، وبالتالي يمكن أن تكون شريكاً إقتصادياً لهم على أساس أن يكون خط الغاز المنتظر تحت رعايتها أو غير متضارب مع مصالحها، أما في حال كان المطلوب أن يكون بمثابة التحدي الإستراتيجي لها، فهي قادرة على التأثير السلبي الذي يحول دون تحقيقه أو القضاء على الجدوى الإقتصادية له.