ليس بسرّ أنّ الهدف من أيّ إنتخابات في لبنان والعالم أجمع، هو الوُصول إلى السُلطة. لكن وفي حين تكتفي بعض الشخصيّات المُرَشّحة، وحتى بعض القوى السياسيّة، بالعمل على حجز مقاعد لها في مجلس نوّاب العام 2022، تُخطّط بعض القوى الأخرى، وفي طليعتها "حزب الله" وحزب "القوات اللبنانيّة"، وكذلك "التيّار الوطني الحُر" إلى حدّ ما، لما هو أبعد من الفوز بمجموعة من المقاعد النيابيّة. وفي هذا السياق، يمكن إستعراض المُلاحظات التاليّة:
"حزب الله" الذي كان سخّر في الإنتخابات النيابيّة الماضية، كل قُدراته وطاقاته، لتأمين إنتقال مجلس النوّاب من يد قوى "14 آذار" السابقة(1) إلى يد محور "المُمانعة"، ونجح في ذلك، يُحضّر العدّة للحفاظ على هذه الأغلبيّة في إنتخابات الربيع المُقبل. لبلّ يطمح "الحزب" لإستغلال عزوف "تيّار المُستقبل" عن خوض المعركة الإنتخابيّة، لإستغلال هذا الفراغ، على أمل التمكّن من رفع عدد النوّاب المَحسوبين على التحالف بين قوى "8 آذار" السابقة و"التيّار الوطني الحُرّ" من 72 نائبًا إلى أكثريّة الثلثين، وعندها سيكون من المُمكن تنفيذ الأجندة الإستراتيجيّة للحزب بالوسائل القانونيّة والدُستوريّة، من دون أي قُدرة على وقف هذا المنحى أو على مُعارضته. وحتى في حال لم يتمكّن "الحزب" والقوى التي تدور في فلكه، إضافة إلى التيّار "البرُتقالي" من حصد ثلثي مقاعد مجلس النوّاب، فالخطة "باء" تقضي بأن تكون كلمة قوى "المُمانعة" حاضرة بقوّة على مُستوى كلّ الطوائف. بمعنى آخر، وإضافة إلى سيطرة "الثُنائي" على المقاعد الشيعيّة، والتعويل على كلّ من "التيّار الوطني" و"المردة" و"القومي السوري" وقوى وشخصيّات أخرى لحصد أغلبيّة المقاعد المسيحيّة، يُخطّط "حزب الله" هذه المرّة للحُصول على كتلة نيابيّة سنيّة وازنة جدًا، وكذلك على طيّ صفحة الأحاديّة الدُرزيّة السابقة، لصالح فوز مجموعة نيابيّة درزيّة قادرة على الوُقوف من الندّ للندّ بوجه الحزب "التقدّمي الإشتراكي". وبالتالي، في حال الفوز بالخطّة "ألف" أو حتى "باء"، سيتمكّن "حزب الله" من تثبيت السياسة التي وضع لبنان فيها منذ سنوات طويلة، ومن فرض مشيئته على مُستوى إنتخابات رئاسة الجُمهوريّة المُقبلة، وتاليًا على مُستوى الحُكومة التي سيتمّ تشكيلها، وكذلك على كامل مفاصل الدولة اللبنانيّة وسياساتها الداخليّة والخارجيّة.
بالنسبة إلى حزب "القوات اللبنانيّة" فهو بدوره ينطلق من خُطّة إستراتيجيّة مُضادة ومُعاكسة تمامًا لخُطّة "الحزب"، تتكوّن من شقّين: الأوّل يقضي بالفوز بأكبر عدد مُمكن من المقاعد على مُستوى لوائح "القوات"، لتُصبح هذه الأخيرة الأولى على صعيد التمثيل المسيحي، بين نوّاب حزبيّين وآخرين تحالفوا مع "القوات" وتعهّدوا بالإنضمام إلى كتلتها في حال الفوز. والشق الثاني يقضي بإنتزاع الأغلبيّة النيابيّة من يد "محور المُمانعة"، من خلال التموضع بعد الإنتخابات إلى جانب مُختلف القوى التي تُناهض سياسة "حزب الله"، علمًا أنّه هنا أيضًا تُقسم الخطة إلى قُسمين: القسم الأوّل يقضي بالدعم المُباشر لقوى مثل "الإشتراكي"، ولشخصيّات سنيّة مُتعدّدة تقف في المَقلب المُناهض لمحور "المُمانعة". والقسم الثاني يقضي بالتعويل على فوز جماعات وقوى وشخصيّات لا توالي "الحزب" سياسيًا، بغضّ النظر أكانت حزبيّة أو مناطقيّة أو حتى ممّا يُعرف بإسم "المُجتمع المدني". فالهدف الإستراتيجي ينصّ على عدم السماح لتحالف "التيّار" و"الحزب" بالإمساك بالأغلبيّة النيابيّة العدديّة، لتكون عندها "القوات" قادرة على مُقاربة مسائل أساسيّة، مثل الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة، وتشكيل حُكومة العهد المُقبل، وتحديد سياسة لبنان الخارجيّة، إنطلاقًا من مُعادلة الأغلبيّة تُقرّر والأقليّة تُعارض.
بالإنتقال إلى "التيّار الوطني الحُر" فهو يُخطّط بدوره للإحتفاظ بموقعه الطليعي على الساحة النيابيّة المسيحيّة، حتى لوّ تراجعت كتلته عدديًا، مُقارنة بما كانت عليه إثر إقفال صناديق الإنتخاب في دورة العام 2018(2). ويُعوّل "التيّار" الذي تحالف إنتخابيًا مع "حزب الله"، على فوز هذا الأخير والقوى التي تدور في فلكه، ليتمكّن من المُضيّ قُدمًا في السياسة التي إنتهجها في خلال العهد الحالي، لكن هذه المرّة في ظلّ إختلاف جوهري يتمثّل بإبتعاد "تيّار المُستقبل" عن المشهد، الأمر الذي يفتح الباب أمام حريّة حركة أكبر للتيّار في حال تمكّنه من الوُصول إلى سدّة رئاسة الجُمهوريّة مُجدّدًا، وفي حال نجح مع "الحزب" والقوى الحليفة الأخرى، في فرض رئيس حُكومة موال لمحور "المُمانعة".
وبموازاة هذه الأهداف الإستراتيجيّة الكبرى، تُشارك العديد من القوى والشخصيّات في الإنتخابات، تحت عناوين أقل طموحًا، ومنها مثلاً الحزب "الإشتراكي" الذي يسعى إلى تثبيت وجوده ضُمن المعادلة السياسيّة الداخليّة، أو مثلاً حزب "الكتائب" الذي يسعى إلى إستعادة أمجاد سابقة مُعوّلاً على تغيّر في وجهة تصويت الكثير من الناخبين. ومن الأمثلة أيضًا شخصيّات "المُجتمع المدني" التي تطمح إلى الوُصول إلى مجلس نوّاب العام 2022 بكتلة نيابيّة وازنة جدًا، قادرة على الوقوف بوجه مشاريع ما تعتبره "قوى السُلطة" ليس في الشارع فحسب، بل تحت قبّة البرلمان أيضًا. وتُحاول أيضًا العديد من الأحزاب الصغيرة، والشخصيّات المناطقيّة، إثبات شعبيّتها، مُستغلّة النقمة العارمة للمُواطنين بسبب سوء الأحوال المعيشيّة والحياتيّة، إلخ.
في الخُلاصة، في حال لم يتمّ التهرّب من تنظيم الإنتخابات النيابيّة في موعدها المُفترض مُنتصف أيّار المُقبل، سيَتواجه نهجان أساسيّان بشكل حاد، وبدعم إقليمي ودَولي. فالناس ستُصوّت لصالح قوى من صلب "محور المُمانعة" أو مُتحالفة معها على أقلّ تقدير، وإمّا لصالح قوى مُناهضة لهذا المحور أو لا تؤيّده ولا تُغطّيه على أقلّ تقدير، علمًا أنّ بعض الناخبين يطمحون لخيار ثالث، وهم يُصنّفون بعض القوى والشخصيّات في هذا الموقع الوسطي، بغضّ النظر ما إذا كان هذا التصنيف صحيحًا أو غيرَ صحيح. وفي كلّ الأحوال، تبقى الكلمة النهائيّة للناخبين، فلننتظر ونرى...
(1) حازت قوى "14 آذار" السابقة على الأغلبيّة النيابيّة في إنتخابات دورتي العام 2005 والعام 2009.
(2) حصد "التيّار" في حينه 29 نائبًا، قبل أن تبدأ بعض الشخصيّات غير الحزبيّة والتي كانت قد خاضت المعركة الإنتخابيّة على لوائح "التيّار" بالإنسحاب من كتلته تدريجًا.