منذ أشهر طويلة، طغى الحديث على الساحة اللبنانية بأنّ الغالبية العظمى من المواطنين تريد التغيير في الإنتخابات النيابية، حيث كانت تجزم معظم إستطلاعات الرأي بأن أكثر من 50% من المقترعين سيذهبون إلى خيارات جديدة، لا بل ان حتى الذين ينتمون إلى أحزاب أو تيارات سياسية كانوا يطالبون قياداتهم بإختيار شخصيات جديدة.
هذا الواقع، يعود بالدرجة الأولى إلى التطور الذي أحدثته إنتفاضة 17 تشرين الأول من العام 2019، بالرغم من تراجع وهجها في الفترة التي تلت لعدة أسباب، لكن مع إقفال باب الترشيح، أمام الطامحين إلى دخول المجلس النيابي، يبدو أن الخيار التغييري سيكون هو الخاسر الأكبر في 15 أيار المقبل.
في هذا السياق، من المفترض البداية من الأحزاب الأساسية، التي كان الجميع يظن أنها ستذهب إلى إستبدال بعض مرشحيها لتفادي ردة الفعل الغاضبة من الأوساط الشعبية، الأمر الذي لم يكن في دائرة حساباتها، على ما يبدو، لدى حسم كل منها لخياراته. فالبنسبة إلى "التيار الوطني الحر"، التغيير الوحيد من بين الأسماء المعلنة كان في دائرة كسروان جبيل، حيث تم ترشيح الوزير السابقة ندى البستاني عن أحد المقاعد المارونية في كسروان، بينما باقي المرشحين هم نواب حاليون أو مرشحون سابقون.
من جانبه، لا يبدو أن حزب "القوات اللبنانية" كان في وارد إستبدال الكثير من المرشحين، رغم أنه كان من أبرز القوى التي إختارت الإنضمام إلى صفوف "الثورة"، نظراً إلى أن المعطيات تظهر إلى أن الخيارات البديلة، التي ذهب إليها في بعض الدوائر، كان سببها الظروف المتعلقة بكل دائرة، كالمتن وبيروت الأولى وعكار على سبيل المثال.
بالإنتقال إلى الحزب "التقدمي الإشتراكي"، التغيير المنتظر لم يشمل المقاعد الدرزية، نظراً إلى أن النواب الحاليون هم المرشحون، بينما حصل بعض التغيير على مستوى أسماء المرشحين المسيحيين في دائرة الشوف-عاليه. بينما على مستوى "الثنائي الشيعي" كان "حزب الله" أول من بادر إلى إعلان أسماء جميع مرشحيه، من دون أن يذهب إلى تغيير يعوّل عليه، نظراً إلى أن الأمر اقتصر على المرشح الشيعي في دائرة زحلة (رامي أبو حمدان بدل النائب أنور جمعة).
في السياق نفسه، ذهبت "حركة أمل" إلى إستبدال 3 من نوابها الحاليين بمرشحين جدد: أشرف بيضون، ناصر جابر، قبلان قبلان. بينما التغيير الكبير سيكون على الساحة السنّية، تحديداً على مستوى الأسماء التي كانت تمثل تيار "المستقبل"، لكن الأمر لا يعود إلى رغبة لدى قيادة التيار في التغيير، بل إنطلاقاً من رغبة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العزوف عن المشاركة في الإستحقاق المقبل، مع العلم أنّ هناك مجموعة من النواب الحاليين ذهبت الى تجاوز قرار الحريري والمشاركة في الإنتخابات.
في المقلب الآخر، يبدو أن الأمر نفسه ينطبق على القوى التي إختارات أن تكون في صفوف "الثورة" أو التي خرجت من رحمها، سواء صنفت على أساس أنها "تغييرية" أو "معارضة". فـ"حزب الكتائب"، على سبيل المثال، حافظ على الأسماء نفسها بالنسبة إلى المقاعد التي من المرجح أن يفوز بها، بينما قرّر أغلب النواب، الذين كانوا قد إستقالوا من البرلمان الحالي، إعادة ترشيح أنفسهم. في حين لا يبدو أنّ باقي المجموعات استفادت من تجاربها الماضية، حيث الخلافات في ما بينها قادتها إلى إنقسامات، من المرجح أن تمنع أي منها بالفوز في مقعد نيابي، خصوصاً في حال تشكيل لوائح متعددة.
في المحصّلة، الغضب الشعبي، الذي كان قد ظهر في السابع عشر من تشرين الأول 2019، لن يترجم تغييراً في المجلس النيابي بالحجم الذي كان يتم الرهان عليه، لكن السؤال الأساسي يبقى حول كيفيّة ترجمة القسم الأكبر من الراغبين في التغيير ذلك في صناديق الإقتراع، لا سيّما أنّ الترجيحات تتحدّث عن حالة عزوف كبيرة، ستقود حكماً إلى نسبة إقتراع متدنيّة.