يُعتبر لبنان من أهم الدول العربية على صعيد الديمقراطية، فهو يعتمد على الانتخابات البرلمانية التي تجعل الاحزاب تتنافس فيما بينها على استقطاب الأصوات، إنما هذا لا يعني أن ديمقراطيتنا مكتملة الاوصاف، فالأحزاب تعتمد على الخطاب السياسي الطائفي لا البرامج الإصلاحيّة، والمشاريع الحيوية التي تهم المواطنين.
تتعامل القوى السياسية اللبنانية مع البرامج الإنتخابية باستخفاف، فتراها تعتمد أفضل البرامج حول العالم، لأنها تُدرك أن أحداً لن يطبق شيئاً، لذلك تتشابه البرامج بين الأحزاب وتعتمد أحياناً على نفس الشعارات، وتتّصف بالمثالية، وهكذا الحال في الاستحقاق الماثل امامنا.
إذا تتشابه البرامج بين الاحزاب، وتتشابه بين هذا الاستحقاق وما سبقه من استحقاقات، فما كان يسري سابقاً يسري اليوم لأن المشاكل لا تزال نفسها من الكهرباء الى الماء والتعليم، والتطور عليها يطرأ فقط حول المستجدات التي تفرض نفسها على البرامج، مثل بند استعادة الأموال المنهوبة على سبيل المثال، والتركيز على مكافحة الفساد، موضة الموسم.
يُتلى البرنامج الانتخابي مرة واحدة ويُنسى، ففي لبنان تُخاض المعركة على أساس السياسة، وفي هذا الاستحقاق تُخاض على أساس من هم مع "المقاومة" ومن هم ضدّها، متناسين وضع البلد الاجتماعي، فتعتمد القوى السياسية على هذا النوع من الخطاب، دون أدنى اعتبار لحقوق ومتطلبات الشعب اللبناني الذي يئنّ تحت وطأة الفقر والجوع والبرد، وبظل كل الازمات التي يمر بها البلد، والتي أرخت بثقلها على الوضع الاجتماعي.
كذلك يتم التركيز من قبل القوى السياسية على الخطاب الطائفي، وهذا النوع من الخطابات هو الأكثر شهرة في لبنان منذ زمن الطائف، ففي البلد مجموعات طائفية ثبّتت لديها الأحزاب ثقافة الخوف من الآخر، وهو السلاح الأمضى في زمن الانتخابات، خاصة أن الجمهور تحرّكه غريزته الطائفية، والقوى السياسية تُدرك هذا الواقع وتُحسن استغلاله بشكل دائم.
في الحملات الانتخابيّة المخصصة للاستحقاق الحالي هناك بعض الامور اللافتة، أبرزها دخول خطاب جديد على الساحة، ونحن في زمن "الثورة والثوار" والانهيار، وهو خطاب تحميل المسؤولية، فكل فريق يحاول تحميل الفريق الآخر مسؤولية الانهيار، علماً أن كل القوى دون استثناء تتحمّل مسؤولية معيّنة بقدر حجم مشاركاتها في السلطة، حتى وإن كانت المسؤولية متعلقة بالفشل لا بالفساد، وبدل أن تركّز البرامج والخطابات على كيفيّة الخروج من النفق، تركّز على رمي المسؤوليات، بغض النظر هنا عن الحملات التي تقول "نحن فينا" رداً على مقولة "ما خلّونا".
كذلك هناك أمر لافت وهو اعتماد المرشحين على خطاب مهاجمة المرشّحين الآخرين وشتمهم، بدل العمل عل تسويق برامجهم الانتخابيّة، بدل أن يسوّقوا لحسناتهم وفائدتهم بحال وصلوا الى الندوة البرلمانيّة، وكأنّ الحملات الانتخابيّة تُخاض بالشتم والهجوم، وهذا الأمر يعكس مدى إفلاس هؤلاء وعدم قدرتهم على جذب الناخبين بالبرامج الانتخابيّة المعقولة والقابلة للتنفيذ.
لا يهمّ اللبناني اليوم سوى قوت يومه، طبابته، تعليم أولاده، الكهرباء، العمل، وكل باقي الأمور التي لها علاقة بالسياسة لا تعنيه، فهل يُحاسب هذا الشعب، هذه القوى السّياسية، مع العلم أن البديل لا يختلف عنها أيضاً؟!.