على وقع العلاقة المتوتّرة، منذ إنتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن، فشلت الولايات المتحدة الأميركية في دفع المملكة العربية السعودية إلى التماهي معها في الموقف من الحرب في أوكرانيا، لا سيما على مستوى زيادة إمدادات النفط بعد العقوبات التي فرضتها على روسيا، الأمر الذي حال دون القدرة للسيطرة على الأسعار على المستوى العالمي.
أسباب التوتر في العلاقات السعودية الأميركية متعددة، قد يكون أبرزها الحرب في اليمن، لا سيما رفع الولايات المتحدة حركة "أنصار الله" من قائمة المنظمات الإرهابيّة، بالإضافة إلى تمنّعها عن تزويد الرياض بالأسلحة التي تطالب بها، من دون تجاهل الخلافات الناجمة عن تقدّم مفاوضات الإتفاق النووي الإيراني في فيينا، حيث لدى السعودية، كغيرها من دول المنطقة، العديد من الملاحظات عليها، على إعتبار أنها ستقود إلى تقوية طهران، بالإضافة إلى أن بايدن كان قد سمح بنشر تقرير إستخباراتي يتحدث عن تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعملية إغتيال الصحافي جمال خاشقجي في تركيا.
في هذا الإطار، ينبغي التوقف عند حدثين بارزين، في الفترة الماضية، الأول هو توجيه السعودية الدعوة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة المملكة، على وقع معلومات أنها تقترب من قبول اليوان كمقابل لشحنات النفط إلى الصين، من دون تجاهل التقارب السابق بين ولي العهد السعودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي من المفترض أن يشكل عامل قلق بالنسبة إلى واشنطن، التي كانت تتعامل مع الرياض على أساس أنها حليف إستراتيجي لها في منطقة الشرق الأوسط.
الحدث الثاني، هو زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى أبو ظبي، حيث تمثل الإمارات العربية المتحدة رأس حربة الدول الساعية إلى الإنفتاح على دمشق، الأمر الذي لا يمكن تجاهله في ظل الموقف الأميركي الذي لا يزال متشدداً من هذا الملف، بعد أن كانت وزارة الخارجية الأميركية قد عبرت عن قلقلها، على اثر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق في شهر تشرين الثاني من العام المنصرم، مع العلم أن الموقف نفسه تكرر بعد زيارة الأسد.
في الفترة التي سبقت الوصول إلى هذه المرحلة، كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي كان المرشح المُفضل لدى الرياض وأبو ظبي في الإنتخابات الرئاسية الماضية، قد دفع العديد من الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل، على أساس أن هناك مصالح مشتركة تجمعهم أبرزها الموقف من إيران.
في الأيام الماضية، كانت بعض التحليلات تذهب إلى التأكيد بأن السعوديين سيتدخلون لخفض أسعار النفط على المستوى العالمي، في ظل الضعوط الأميركية التي تصب في هذا الإتجاه، من دون أن يعرض ذلك المصالح مع الجانب الروسي إلى الخطر، على قاعدة أن الإرتفاع الحاصل في الأسعار سيقود حتماً إلى خفض الطلب عليه في المرحلة الأولى، وربما يقود لاحقاً إلى دفع العديد من الجهات إلى تسريع الإنتقال إلى وسائل الطاقة المتجددة، وبالتالي تضرر مصالحهم المالية في هذه الفترة الصعبة.
ما ينبغي التوقف عنده اليوم هو التحول في الموقف الأميركي، حيث ظهرت بعض المؤشرات التي توحي بأن واشنطن في طور التراجع بعض الشيء، من خلال تخفيف الضغوط التي تمارس على الرياض، الأمر الذي تمثل بعودة الحديث، على لسان المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة ليندار توماس غرينفيلد، فرض عقوبات إضافية على حركة "أنصار الله"، بالتزامن مع كشف صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن إرسال واشنطن، الشهر الماضي، عدداً كبيراً من بطاريات أنظمة الدفاع الجوية "باتريوت" إلى السعودية.
في المقابل، كانت الرياض قد أعلنت، يوم أمس، أنها تخلي مسؤوليتها من أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية، في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من "أنصار الله"، مؤكدة أهمية أن يعي المجتمع الدولي خطورة استمرار إيران بتزويد الحركة بتقنيات الصواريخ البالستية والطائرات دون طيار، التي تستهدف بها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما في المملكة.
في المحصلة، يبدو أن واشنطن هي التي تشعر اليوم بالحاجة إلى الرياض، في سياق المواجهة التي تقوم بها مع موسكو، نظراً إلى أن السعودية، ومعها الإمارات، هي التي تملك القدرة على تعويض الخلل الحاصل في إمدادات النفط على المستوى العالمي، لكن السؤال يبقى حول الثمن الذي ستقدمه مقابل ذلك، فهل يكون فقط الموقف من الحرب في اليمن، أم يطمح محمد بن سلمان إلى ما هو أبعد ذلك، خصوصاً ما هو مرتبط بملفّ تولي العرش في المملكة؟.