ضجت منذ ايام وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بخبر ابطال مجلس شورى الدولة قرار منع المواطن محمد ناصر من تسجيل ترشيحه للانتخابات من دون وضع المذهب على اخراج قيده، واخذ الخبر ضجّة كبيرة في ما ذهب الكثيرون الى اعتباره الحجر الاول في مدماك بناء الدولة العلمانيّة والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الطائفية.
لا شك ان الوصول الى الدولة العلمانية هو من الامور التي يحتاجها لبنان بشدة، وقد تكون من اهم الشروط لوضعه على الطريق الصحيح في استعادة بريقه وحضوره، ليس فقط في الشرق الاوسط، بل في العالم ايضاً، واتى هذا الخبر ليدغدغ المشاعر ويعطي الامل للبعض في انه يمكن التغلب على الطائفيين من سياسيين ومسؤولين وحتى مواطنين... ولكن الواقع شيء والاحلام شيء آخر، وحتى المرشح ناصر نفسه لم يستطع تحقيق هدفه لجهة ان يراه العالم "كمواطن لبناني" وليس ابن طائفته. فالحقيقة انه ترشح عن "المقعد الشيعي" في دائرة بيروت الثانية، ما يعني انّ الناخبين والمقترعين واللبنانيين سينظرون اليه باعتباره مرشحاً شيعياً اولاً. اضافة الى ذلك، ووفق ما اعلن عنه المرشح ناصر نفسه، فقد قدّم كل الاوراق المطلوبة اضافة الى اخراج قيد عائلي يظهر انه ينتمي الى الطائفة الشيعيّة، وهذا إنْ دلّ على شيء، فعلى ان القوة الطائفية والمذهبية هي الطاغية، ناهيك عن أنّ قرار مجلس الشورى نفسه استند الى مذهب المرشح ناصر لاصدار قراره.
ازاء كل هذا الامر، لا يمكن القول ان لبنان يتجه نحو الدولة المدنيّة، بل ان الطائفيّة تتغلغل في كل جسمه، الرسمي والشعبي، وما حصل لجهة شطب المذهب عن اخراج القيد الفردي لمواطن لبناني لا يعني طبعاً القول ان لبنان على الطريق الصحيح. ووفق مصادر معنيّة بمتابعة موضوع المطالبات بالدولة المدنية، فإن التعبير الصحيح لخطوة شطب المذهب عن اخراج قيد فردي لمواطن لبناني هو "كتم المذهب" وليس "الغاء او شطب المذهب" بما يعني انه حتى من الوجهة القانونيّة البحت، فإن المذهب باقٍ انما على غرار القواعد العربية "فاعله مُسْتَتِر"، ولا يمكن تطبيق هذا الامر على اخراج القيد العائلي مثلاً. ولعل الفائدة الوحيدة التي يمثلها، وفق المصادر نفسها، تكمن في تقديم اخراج القيد هذا الى جهات لبنانيّة اذا ما اراد المرء البحث عن عمل او الانتقال الى بلد آخر. ولكن، حتى في هذا الاطار، يمكن القول انّالامر فيه مخاطرة، لانّ العديد من الدول وخصوصًا العربية منها، ونظراً الى الاوضاع السياسية والتطورات المتسارعة في المنطقة ككل، يهمّها ان تعرف المذهب الذي ينتمي اليه اللبناني الطالب ان يزورها اما بشكل دائم او بشكل موقّت لتتّخذ قرارها بقبوله ام لا، ما يعني انّ الطائفيّة تلاحق اللبناني حتى خارج الحدود اللبنانية.
لم يكن يجب تضخيم الامل لدى عدد من المواطنين لجهة ان العمل على نقل لبنان الى مصاف الدول المدنية قد بدأ، وبدل ذلك كان من الاجدى العمل على تضمين البرامج الانتخابيّة للمرشّحين، من كافّة الطوائف والمذاهب والمناطق اللبنانية، خطة واضحة للعمل على قوانين يقرّها مجلس النواب وتضمن الزامية اللاطائفيّة في مختلف المؤسسات والادارات الرسميّة اولاً، وبعدها العمل على ازالة الطائفية في المناصب الكبيرة، وفي دوائر الاحوال الشخصيّة، وعندها فقط يستطيع اللبناني ان يقول انه بات على الطريق الصحيح لتحقيق هدفه في هذا المجال، وكل ما عدا ذلك سيبقى مجرد معركة وهميّة في بلد الواقع الطائفي. وعلى الارجح، للاسف، ان هذه الخطوات العمليّة ستبقى مجرد احلام، فلا المرشحون قادرون على تقديم برامج سياسية ليتم انتخابهم على اساسها، لان طائفيّتهم وانتماءاتهم الحزبيّة والسّياسية هي التي ستوصلهم الى البرلمان، ولا البلد في اجواء احداث تغيير جذري على هذا المستوى فيالمستقبل القريب والبعيد، وفق التجارب التي عاشها ويعيشها.