مرّ شهر على العمليّة العسكريّة الروسيّة على أوكرانيا التي انسحب تأثيرها ليس فقط على البلدين المذكورين بل على مختلف البلدان، خصوصا وأن روسيا مصدر أساسي للنفط... وبالأمس وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الولايات المتّحدة وكل الدول التي وصفها بغير الصديقة لبلاده والتي شاركت في وضع العقوبات عليها "ضربة قاضية"، معلناً أن موسكور قررت بيع الغاز والنفط بالروبل الروسي وأصدر تعليماته الى البنك المركزي ومجلس الوزراء لتحديد إجراءات المعاملات مع أوروبا بعملته الوطنيّة في غضون أسبوع... فما هي الرسالة التي تريد ارسالها موسكو من هذا الاجراء، وما هي تداعياتها؟.
في هذا السياق ردّت موسكو "بالسياسة على "الناتو" وحلفائه عبر التأكيد أن زمن السيطرة والهيمنة على العالم بالاقتصاد بدأت نهايته". هذا ما يؤكده مدير مركز الحوار الروسي العربي مسلّم شعيتو، مشيراً الى أننا "نسعى الى الانتهاء من احادية القطب ومن السيطرة على البشريّة عبر الدولار الذي كان سابقاً مغطّى بالذهب"، بالمختصر "روسيا اتخذت قراراً بالتخفيف من تأثير قوّة الدولار وسيطرته على الاقتصاد العالمي". أما الدبلوماسي الروسي السابق فياتشيف ماتوزوف فيصف هذا الاجراء "بالضربة القاتلة" للولايات المتحدة ولكل من كانوا يعوّلون على الدولار".
ويضيف ماتوزوف عبر "النشرة": "روسيا فتحت في سان بطرسبرغ بورصة لشراء الروبل للدفع للنفط وغيره". في حين أن مسلّم شعيتو يلفت الى أنّها "ستصل الى مرحلة لن تقبل فيها بالدفع بالدولار ولا حتّى بالروبل بل بالذهب، وهذه المرحلة ليست بعيدة جداً بل هي خلال سنوات قليلة"، شارحاً أنّ "قرار الدفع بالروبل يساعد بدعم العملة الوطنية الروسيّة ويعزز موقف روسيا في العالم على أن باستطاعتها فرض شروطها وهذا الاجراء هو أحد وسائل الردّ على كلّ ما تقوم به الولايات المتحدة".
دون أدنى شكّ أثّر قرار بوتين على ارتفاع سعر برميل النفط العالمي ووصل الى حدود 122$. هنا يشير مسلّم شعيتو أن "هذا الارتفاع ليس سببه فقط القرار بل تعطّل منصة من المنصّات الثلاث لتعبئة البواخر في محطّة نوفوروسيسك على البحر الاسود والارجح أنه ناجم عن الرّياح العاتية"، ويعتبر شعيتو أن "الرسالة واضحة من خلف كلّ ما يحدث، ومفادها أن روسيا هي التي تحدّد أسعار النفط في العالم وهي التي تحدّد كيفيّة تمويل البشريّة منه، فكيف لو أوقفنا نهائياً"؟. كذلك يشدّد فياتشيف ماتوزوف على أن "الاجراءات التي تتخذها موسكو في موضوع الدفع بعملتها المحلّية سترفع حتماً سعر البترول عالمياً، متّهمًا السياسة الأميركية التي أوصلت الأمور الى ما هي عليه اليوم.
إذاً، بدأت روسيا بالخطّة "B" بهجومها الثاني على الدول الّتي اتّخذت بحقّها اجراءات عقابيّة جرّاء الحرب بينها وأوكرانيا، للدفاع عن اقتصادها ومالّيتها العامة برحلة "المئة ميل"للتخلّي عن "الدولار" فهل فعلاً تصل الى مرحلة لا تعود تقبل فيها بشراء النفط إلا عبر الذهب فقط لا غير؟ وهل ينزلق العالم باتّجاه حروب اقتصاديّة مدمّرة بين الشرق والغرب؟!.