فجأة، وبسحر ساحر، عاد لبنان نقطة النهاية للسباق الخليجي-الايراني، وبعد مقاطعة استمرت نحو خمسة اشهر، عادت الليونة الى النبرة والعلاقة الخليجية مع لبنان، فيما ادى التطور الساخن على خط المفاوضات النووية مع ايران في فيينا الى وصول وزير الخارجية الايراني امير عبد اللهيان الى العاصمة بيروت وقيامه بجولة مكوكية على المسؤولين اللبنانيين، وبالطبع على مسؤولي حزب الله. اللافت في الموضوع، كان ان الخطوة الخليجية اتت بشكل مجاني، فلا الموقف اللبناني تغيّر، ولا الهجمات الحوثيّة على الخليج خفّت، ولا حماوة المفاوضات الغربية في فيينا بردت، فما الذي حدث بحيث لاقت اليوم اصوات المسؤولين الرسميين اللبنانيين صداها لدى الخليجيين؟.
مصادر مطلعة اشارت الى ان هذه الحماوة مردّها الى ان الخليجيين باتوا امام امر واقع مفاده ان الاتفاق النووي مع ايران عائد، وهم حاولوا استنزاف الوقت للتأكد من ذلك بدل ان يتخذوا خطوات "مستعجلة" تضعهم في مكان لا يرغبون فيه اذا ما حصلت تطورات عكسية في الملف النووي. اضافة الى ذلك، يبقى الهدف عدم الغياب عن الساحة اللبنانية، مع تصاعد المؤشرات المؤكدة لحصول الانتخابات النيابية على الرغم من كل الاصوات والمحطات التي اوحت بأن ارجاءها او الغاءها وارد بقوة، لانه يبدو ان التوجه نحو خوضها في موعدها هو الذي سيسود، والتسليم بنتائجها التي لن تغيّر في المعادلة السياسية العامة، بات امراً حتمياً يجب التعامل معه بشكل واقعي ومنطقي.
وبالتالي، في حسابات الربح والخسارة الدولية، كان لا بد من الحد من الخسارة بالنسبة الى الخليجيين على الساحة اللبنانية، وهو ما دفع الامارات والسعودية الى وضع الخلافات بينهما جانباً والعودة الى مسار واحد فرضته التطورات، ولبنان احد فصوله.
في المقابل، لن تقف ايران مكتوفة الايدي حيال الورقة اللبنانية، خصوصاً بعد اقتراب موعد توقيع الاتفاق النووي، وبالتالي عودتها الى الساحة الدولية بشكل شرعي، حيث ترغب في التعويض عما فاتها في سوريا لصالح روسيا هناك، عبر تعزيز حضورها في لبنان، لذلك جددت الطلب والعرض للمساعدة في شتى المجالات: الاقتصادية والانمائية والحيوية... وهي تعلم ان النظرة الى هذه العروض ستأخذ هذه المرة منحى مختلفاً لانه بعد توقيع الاتفاق، لا حجّة امام لبنان بالقول أنّه يخشى العقوبات الدولية التي من المتوقع ان يتم رفعها مباشرة بعد الاتفاق، مع رغبة ايرانيّة واضحة في منافسة الشركات الاوروبيّة والاميركيّة والخليجيّة على حصة وازنة في اقامة المشاريع اللبنانية، علماً انها ستحظى بدعم نيابي ورسمي وازن حتى بعد الانتخابات وفق ما تتوقعه المصادر.
وهذا الامر، وفق المصادر، انما يعني ان لبنان بات حلبة سباق يتم التنافس عليه، ليس من اجل اعماره، انما للدخول في هذا المضمار لضمان الحضورالفاعل، والعمل على تفعيله في المدى المنظور، وفي هذا المجال لا شك ان ايران تملك افضليّة منطقيّة في ظلّ البلبلة السائدة على الساحة السنّية، والتي يجب على الخليجيين العمل على تنظيمها في اسرع وقت ممكن مع الاشارة الى ان هذه المحاولات بدأت بالفعل انما من خلال لاعبين محليين غير مؤثرين بشكل كبير، فيما على الساحة الشيعيّة لا تزال الامور اكثر انضباطاً ما يعطي افضلية عملية اكبر لهذا المذهب والمتحالفين معه، بتسليم غربي على ما يظهر لجهة التعامل مع الامر الواقع الذي سيسود بعد الانتخابات، ووفق تقسيم النفوذ الذي سيليه مع ما يعنيه ذلك من تمثيل سياسي لسنوات يتوقع ام تكون ركيزة لما سيعيشه لبنان لحوالى عقدين من الزمن.
لطالما تمّ الحديث عن واقع جديد للمنطقة، وها انّ ملامحه بدأت تظهر، انما لم تكن وفق ما قيل عنه سابقاً، وقد تم دفع ثمنه من قبل الدول الصغيرة والضعيفة على غرار لبنان وسوريا واليمن، فيما الدول الغنيّة ابقت على اوضاعها بفعل اموالها، وليس بالنظر الى قوتها وحضورها، ولم تتغير هوية كبار المستفيدين من هذا التغيير المحدود، وهم الدول الكبرى الذين يلعبون بالدول وشعوبها وفقاً لرغبتهم ومصالحهم.