في منتصف آذار الحالي، أقفل باب الترشح للانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار المقبل، على 155 طلبا تقدمت بها نساء للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي، من أصل 1043 طلباً إجمالياً. هذا العدد الذي شكل نسبة 15 بالمئة من المعدل العام، شهد ارتفاعاً عن الدورة السابقة التي انعقدت في العام 2018، وضمت 111 مرشحة من أصل 976.
بعد ما شهدته المرشّحات في الدورة الماضية، من استخفاف بقدرتهنّ على مشاركة رجال السياسة في لبنان باستلام مقاليد الحكم، توازياً مع حملة التنمّر الواسعة التي تعرضن لها من مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي على مظهرهنّ، والدور الذي أناطه المجتمع بالنساء والذي يحدّ من قدرتهن على اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تجاهلهن من قبل الأحزاب وبعض وسائل الإعلام التابعة لها، لم يكن من المتوقع أن تشهد الانتخابات الحالية اقبالاً كثيفاً كهذا.
الانتخابات النيابية و200 سيدة
تطلب ذلك مساراً طويلاً، كان لـ"fifty fifty" الدور الأبرز فيه، حيث استحدثت المنظّمة التي تقدم منذ عام 2013 دعماً للسيدات على كافة الاصعدة للوصول إلى المناصفة في لبنان، 3 مشاريع هدفها زيادة مشاركة المرأة في السياسة. ويتم خلالها، العمل مع السّيدات اللواتي ترغبن بالترشح للانتخابات المقبلة وتشجيعهن على ذلك.
من هنا، أوضحت مؤسسة "fifty fifty"، جويل أبو فرحات، في حديث لـ"النشرة"، أن "المنظمة تعمل مع أكثر من 200 سيّدة تنوين الدخول في العمل السياسي، تم اختيارهن من خلال استمارات نشرناها على موقعنا، لمواكبتهن في حملاتهن الانتخابية، حيث نقدم لهن كافة الأدوات والتقنيات الجديدة للسير بهذه الحملة". وتابعت: "في وقت نعمل مع صانعي القرار لتغيير بعض القوانين في المجلس النيابي، نركز بالإضاءة على السيدات في الإعلام لتعريف الرأي العام عليهن، والتوعية على أهمية وجود المرأة في السياسة، وذلك من خلال حلقات توعية في كافة المناطق اللبنانية".
وشددت أبو فرحات على أن "البرامج والتدريبات التي تقدمها "Fifty Fifty"، تلحظ احتياجات كل مرشحة على حدى، فيتم العمل معهن، بمساعدة متخصصين، على الظهور الإعلامي وتواجدهن على مواقع التواصل الإجتماعي، وكيفية التسويق لأنفسهن، وتقديم مشروعهن للناس". وبينما تعتبر التحالفات الانتخابية إحدى العوامل الرئيسية التي تحدد بعض المرشحين في الدوائر الانتخابية بظل القانون الحالي، فإن المنظمة "تعمل على التحالفات التي تقوم بها المرشحات، وتدرس ميزان القوى والضعف في كل دائرة، وحظوظ المرأة فيها "، بحسب ما أكدته أبو فرحات.
"الهدف الأكبر"...
لا يخفى على أحد أن الانتخابات النيابية هي المرحلة التي تلجأ فيها القوى التقليدية لشدّ العصب الطائفي والمناطقي، خاصة بعد تراجع شعبيتها إثر أحداث 17 تشرين الأول 2019، والأزمة الاقتصادية والمالية التي أوصلت البلد إليها. وذلك دفع الأحزاب السياسية إلى ابتكار أساليب متعددة للهجوم على خصومهم، وأحدها يتمحور حول الارتهان للخارج وتقاضي الأموال من بلاد عربيّة وغربيّة بهدف تنفيذ أجندات تخريبية في لبنان.
من هنا توضح أبو فرحات أن "المنظمة تتلقى تمويلاً من مؤسسات دولية، كهيئة الأمم المتحدة للمرأة مثلاً، أو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية"، مشيرةً إلى أنه "بعد تحديد استراتيجية المشروع والأهداف التي نريد كـ"fifty fifty" أن نحققها، يتم عرض الاقتراحات على الجهات المانحة التي يمكن أن نتوجه لها، ووفقا لذلك نكتب المشروع ونضع التمويل".
وتشدد أبو فرحات على أن "fifty fifty" اليوم عبارة عن شبكة كبيرة تتضمن أكثر من 500 سيدة، يرغبن بأن يكنّ في مواقع قرار، ومنهن من ترشح للانتخابات النيابية وأخريات لم يحالفهن الحظ. ولكن رغم ذلك، نحن نسعى لتأمين استدامة في العلاقة بينهن، كي يستفدن من خبرات بعضهن البعض".
وأردفت: "نريد نساء في مجلس النواب وهذا الأساس. نحن نعمل الآن على قانون الكوتا، الذي تبنته النائبة عناية عز الدين، واحيل الى اللجان المشتركة. ولكن إذا أردنا أن نفكر بشكل صحيح، من الصعب جدا أن يتغير في هذه الدورة، ولكن من الممكن أن يقرّ للدورة المقبلة في عام 2026، بالتالي نحن نكمل العمل على أمل أن يتغير الأمر". وشددت على أن "هدفنا وجود أكبر للمرأة في السياسة، لأننا نؤمن أنه لا يمكن النهوض بالبلد بفريق واحد".
تغيير صورة النساء مجتمعيا
لا يقتصر إشراك النساء في السياسة على وجودهن في مجلس النواب فقط، بل يتطلب الأمر تماساً أكثر مع الناس ومشاكلهن اليومية، ما يساعد على تقبّل وجودهن النساء السياسي. هذا ما تحاول "المنظمة الدّولية للتقرير عن الديمقراطية-DRI"، التي تعمل منذ العام 2016 مع البلديات واللامركزيّة الإدارية والبرلمان، القيام به، حيث خلقت برنامجا مدته 6 أشهر، لتدريب السيّدات اللواتي يرغبن بالترشح للانتخابات البلدية.
وفي هذا الإطار، أكّدت منسقة البرامج في المنظمة غاييل يوسف، في حديث لـ"النشرة"، أن "DRI دربت العام الماضي 50 امرأة للمشاركة في الانتخابات البلديّة، وهدفنا هذه السنة تدريب 45 امرأة". وأوضحت أنه "خلال البرنامج، تم تعريفهن وتدريبهن على الجندرة، القوانين التي تتعلق بالمناصب البلدية، الكوتا الجندريّة وأهميتها كمرحلة انتقالية، بالإضافة إلى تدريبهن على حق الوصول للمعلومات الذي يؤمن شفافية للمواطن، ويحفز الناس على محاسبة العمل البلدي".
وأضافت: "خلال البرنامج عملنا على الأشياء التي تحتاجها النساء، مثل الحملة الانتخابية وماذا تتضمن، وكيفية إدارة برامجهن، وطريقة مخاطبة الجماهير. بالتوازي علمناهنّ على كيفية التقدم بمشاريع، ودربناهنّ على حل الصراعات، وكيفية التفكير لإيجاد الحلول، وبرهنة ذلك بالوثائق الصلبة".
وفي وقت تشدد يوسف على أن المنظمة التي لا تؤمّن دعما ماديًّا للمرشحات، حرصت على تأمين كافة السبل التي تضمن مشاركتهن بالتدريبات المجانية، وأوضحت أن "اختيار السيدات تم عبر "google form" نشرناها على مواقعنا، وعبر أشخاص مفاتيح في مختلف المناطق، مهمتهم توزيع الاستمارات على السيدات اللواتي يحتجنها". وشددت على أن "منظمة DRI تتابع المرشحات بشكل مستمر بعد انتهاء الدورة الانتخابية، وتتشارك معهنّ قصص النجاح".