بعد أيّام قليلة، وتحديدًا يوم الإثنين المُقبل تنتهي مهلة تقديم اللوائح الإنتخابيّة التي لا يُمكن المُشاركة في الإنتخابات النيابيّة من دونها، بحسب ما ينصّ عليه القانون الحالي. ويُمكن بالتالي القول إنّ المعركة الإنتخابيّة الفعليّة ستبدأ يوم الإثنين. ماذا في التفاصيل؟.
من المعروف أنّه لا يُمكن لأي مرشّح لمركز النيابة أن يخوض المعركة الإنتخابيّة، إلا في حال إنضمّ أو شكّل لائحة إنتخابيّة، بغضّ النظر إذا كانت مُكتملة أو غير مُكتملة. ومن المعروف أيضًا أنّ الناخب يستطيع التصويت لأي لائحة يختارها، من دون تفضيل مرشّح على آخر، أي من دون إستخدام حق "الصوت التفضيلي". لكن في المُقابل، بمجرّد أن يقوم هذا الناخب بإختيار أحد المُرشّحين على لائحة مُعيّنة، يتم تلقائيًا إحتساب صوته لهذه اللائحة حتى لو لم يقم المُقترع بإختيارها من بين خيارات اللوائح الموجودة في كل دائرة.
أكثر من ذلك، في حال لم ينجح أي من المُرشّحين على لائحة مُعيّنة في الحُصول على أصوات عاليّة، لكنّ مجموع مُرشّحي اللائحة ككلّ، بلغ الحاصل الإنتخابي المَطلوب، فهذا يعني حُكمًا أنّ أحد المُرشّحين على هذه اللائحة سيفوز، وهذا ما حصل مثلاً مع لائحة "كلنا وطني" في دائرة بيروت الأولى في دورة العام 2018، عندما حصدت اللائحة 6842 صوتًا، وكان الحاصل المَطلوب بحدود 5458 (الحاصل الأول) و5248 صوتًا (الحاصل النهائي) فتمكّنت المرشّحة بولا ياغوبيان من الفوز بالنيابة آنذاك بمجموع 2500 صوت. واليوم يطمح العديد من المرشّحين على لوائح تُعتبر غير قويّة ووُصولها إلى الحاصل غير مَضمون، بتكرار هذا "السيناريو"، أي بالوصول إلى "الحاصل" بحيث ينجح أحد أفراد اللائحة حُكمًا، حتى لو كانت أرقامه أقلّ من باقي المُرشّحين المُنافسين على اللوائح المُقابلة.
من جهة أخرى، في حال نجح مُرشّح قويّ على لائحة معيّنة في الإستحواذ على رقم عال جدًا من الأصوات التفضيليّة، يتجاوز "الحاصل الإنتخابي" بأضعاف عدّة، يُمكنه أن يؤمّن فوز أكثر من مرشّح على لائحته تلقائيًا، حتى لوّ كانت أرقام هؤلاء ضعيفة "وحواصلهم التفضيليّة" غير مُهمّة نسبيًا. وهذا ما حصل في الدورة الماضية مع لائحة "العزم" التي فازت بأربعة مقاعد، كونها حصدت 42019 صوتًا، علمًا أنّ الحاصل الإنتخابي للفوز في دائرة الشمال الثانية كان بلغ 13311 صوتًا (الحاصل الأوّل) و11187 صوتًا (الحاصل النهائي). والمُفارقة أنّ المرشّح آنذاك نجيب ميقاتي نال وحده 21300 صوت، أي أكثر من نصف أصوات اللائحة الإجماليّة، فساهم بشكل حاسم في فوز أعضاء آخرين على لائحته جاءت حواصلهم الإنتخابية مُتواضعة جدًا، وهم علي درويش (2246 صوتًا)، و(الراحل) جان عبيد (1136 صوتًا)، ونقولا نحّاس (1057 صوتًا). واليوم يطمح العديد من المُرشّحين غير المَعروفين والذين لا يتمتّعون بشعبيّة مُهمّة لتكرار هذا "السيناريو" من خلال حجز مكان لهم على إحدى اللوائح القويّة، أي التي تضمّ ما لا يقلّ عن مُرشّح واحد يملك "حاصلاً إنتخابيًا" مَضمونًا.
ويجب ألا ننسى مسألة "كسر الحاصل" التي تُشكّل هدفًا بحدّ عينه للعديد من اللوائح في الدورة الإنتخابيّة المُقبلة. فالأرقام الماضية والإحصاءات الحديثة أعطت بعض اللوائح عددًا مُحدّدًا وشبه محسوم من الحواصل، أي عمليًا من النوّاب، والمعركة بالتالي هي على تأمين "الحاصل الأعلى"، لأنّ كل "حاصل أعلى" في أيّ دائرة، يعني عمليًا الفوز بمقعد نيابي إضافي، في حال لم يتمّ الفوز بكل المقاعد. من هنا، يُلاحظ أنّ عمليّة تركيب اللوائح تجري وفق حسابات دقيقة، جزء منها ليس له علاقة بالتموضع السياسي وبالخيارات الإستراتيجيّة الكبرى، ويدخل في سياق مُحاولة كسب المزيد من المقاعد النيابيّة عبر توزيع ذكي للمرشّحين، وعبر إستهداف مقاعد تعود لطوائف ولمذاهب مُحدّدة. إشارة إلى أنّ "العين مَفتوحة" على مقاعد الأقليّات بشكل خاص، لأنّه من الصعب على المرشّحين على هذه المقاعد تأمين "أصوات تفضيليّة" كثيرة.
وإنطلاقًا ممّا سبق، من المُنتظر أن تشهد الأيّام القليلة المُقبلة، وحتى الساعات القليلة المُقبلة، وضع اللمسات الأخيرة على العديد من اللوائح التي لا تزال غير مُقفلة حتى هذه اللحظة، بسبب الحسابات الدقيقة المَذكورة أعلاه، وبسبب الطموحات المُتناقضة للقوى أو للشخصيّات المُتحالفة مصلحيًا على نفس اللوائح. وليس بسرّ أنّ بعض الجهات السياسيّة النافذة ترفض أن تكون لوائحها مجرّد وسيلة للوُصول إلى البرلمان من قبل شخصيّات لا تُمثّل شيئًا شعبيًا، بينما بعض الشخصيّات والوجوه الجديدة ترفض بدورها أن تكون مُجرّد مطيّة لأحزاب ولتيّارات سياسيّة معروفة، تستخدمها لرفع "حواصلها" لا أكثر.
في الخلاصة، إنّ القانون الحالي الذي يقوم على مبدأ النسبيّة الذي يُفترض أن يُعطي كل صاحب حقّ على المُستوى الشعبي-إذا جاز التعبير، حقّه، يتضمّن ثغرات يتسرّب منها بعض المُرشّحين الذين يفتقرون إلى الوزن الفعلي. وفي كلّ الأحوال، إنّ الجدّ يبدأ يوم الإثنين المُقبل، مع حلول موعد إقفال اللوائح، لتبدأ عندها عمليّة إحتساب الأصوات بدقّة في كل دائرة، لأخذ فكرة تقديريّة عن نتيجة الإنتخابات من اليوم. وللبحث تتمّة...