على الرغم من الإختلاف في التوجهات السياسية، بين رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" العراقية قيس الخزعلي، يبدو أن الرجلين يتشاركان في التوجهات العملية، فالأول يضع على رأس قائمة أهدافه منع "حزب الله" من الوصول إلى أكثر من ثلثي عدد أعضاء المجلس النيابي، متحدثاً عن ضرورة أن يكون للقوى المعارضة الثلث النيابي الضامن، بينما الثاني كان، قبل أيام قليلة، يتحدث عن أهمّية هذا الثلث في البرلمان العراقي، لا سيما بعد أن عطّل جلسة إنتخاب رئيس جمهورية لم يتم التوافق عليه مع فريقه السياسي.
في هذا الإطار، من الضروري الإشارة إلى أن الثلث العراقي ظهر بعد الإنتهاء من الإنتخابات النيابية هناك، لكن في لبنان بدأ قبل ذلك، إنطلاقاً من قراءة واقعية لمعطيات المعركة لدى السنيورة، خصوصاً بعد التداعيات التي تركها عزوف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن المشاركة في الإنتخابات المقبلة، لا سيّما على واقع القوى والشخصيات التي كانت تدور في فلك تحالف الرابع عشر من آذار.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الترابط بين الساحتين العراقية واللبنانية ليس بالجديد، نظراً إلى أنه طرح في أكثر من مناسبة في السنوات الماضية، وتلفت إلى أن هذا الأمر يتكرر اليوم، لا سيّما أنّ الإنتخابات العراقيّة أظهرت تراجع القوى والشخصيات التي تدور في الفلك الإيراني، ما دفعها إلى رفع لواء الثلث الضامن، بينما التراجع المنتظر في لبنان يتعلق بالقوى والشخصيات التي تدور في فلك المحور الإقليمي المقابل.
وفي حين تشير المصادر نفسها إلى أنّ هذا الواقع يؤكّد على أنّ الساحتين تتأثران بالظروف الإقليمية المحيطة أكثر من أيّ أمر آخر، تلفت إلى أنه من ناحية أخرى يوحي بأن التعطيل سيكون هو العنوان الأساسي في لبنان في الفترة التي تلي الإنتخابات، حيث ستعمل القوى المعارضة لـ"حزب الله" على منعه من الذهاب إلى أيّ خيارات لا تراعي مصالحها، لا سيّما إذا ما نجحت في الفوز بالثلث النيابي الضامن، الأمر الذي من المرجّح ألاّ يكون صعباً عليها.
من وجهة نظر هذه المصادر، المواجهة الأولى ستكون في الإستحقاق الأساسي الذي يلي الإنتخابات، أي تسمية رئيس الحكومة المكلّف، لا سيما إذا لم تنجح قوى الأكثريّة في تأمين الفوز بالعدد الكافي من النواب السنّة، نظراً إلى أنها في هذه الحالة ستكون مضطرة إلى التفاهم مع المكون السنّي، الأمر الذي كانت تلتزم به طوال السنوات الأربع الماضية، بالرغم من فوزها، في الإنتخابات الماضية، بالأكثرية النيابية.
في المقابل، تلفت مصادر سياسية أخرى، عبر "النشرة"، إلى أنّ الواقع اللبناني اليوم أكثر تعقيداً من الماضي، الأمر الذي يدفع البعض إلى طرح مجموعة واسعة من النظريّات، كالأغلبيّة الميثاقيّة على سبيل المثال، مع العلم أنّ الحزب، الّذي يحرص على عدم الوصول إلى أي صدام داخلي، ليس في وارد الذهاب إلى إستفزاز البيئات الطائفيّة الأخرى، خصوصاً السنّية لأنه يدرك حساسية الوضع فيها في ظل غياب تيار "المستقبل" عن الواجهة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، إستحقاق تسمية رئيس الحكومة المكلّف المقبل لن يكون هو المشكلة، لا سيما في ظلّ التوجّه إلى إعادة طرح اسم رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، لكنها تشير إلى أنّ "الكباش" سيظهر عند الوصول إلى الإنتخابات الرئاسية، نظراً إلى أن الثلث النيابي ستبرز أهميّته بشكل قويّ، لا سيّما إذا ما تقرّر أن يستخدم السيناريو نفسه الذي ذهب إليه كل من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" في الماضي.
على الرغم من ذلك، ترى المصادر نفسها أنّ ما يطالب به السنيورة ليس أكثر من عنوان إنتخابي فقط، خصوصاً أن قيمة الثلث النيابي الضامن لن تكون ذات أهمية في الإنتخابات الرئاسيّة، نظراً إلى أنه في هذا الإستحقاق لن يكون هناك من أكثريّة واضحة بسبب الخلافات داخل كل فريق، بينما الأمور المتعلّقة بتعديل الدستور تتطلب توافقاً وطنياً يتخطى المسألة العدديّة، في حين من الناحية العمليّة من الممكن الوصول إليه بسهولة من قبل الجهات المعارضة للحزب.