منتصف ليل الإثنين المقبل، يمكن القول إنّ "العدّ العكسي" سيبدأ رسميًا للاستحقاق الانتخابي المفترض في الخامس عشر من أيار، بعد أن تكون اللوائح قد أنجِزت بصورتها النهائية، وسُجّلت رسميًا في وزارة الداخلية، مع ما ينطوي على ذلك من انسحاب "قسري" لجميع المرشحين الذين لم ينخرطوا في لوائح قبل هذا الموعد، بحسب ما ينصّ قانون الانتخاب الساري.
ومع أنّ هناك كثيرين لا يزالون حتّى اليوم "يشكّكون" باحتمال إجراء الانتخابات، ويعتقدون أنّ "أمرًا ما" سيطرأ في ربع الساعة الأخير، ولو أخذ شكل "حدث جلل"، ليبرّر "تطيير" الاستحقاق عن بكرة أبيه، فإنّ الواضح أنّ التحضيرات للاستحقاق، سياسيًا ولوجستيًا، تتواصل على قدم وساق، وما موعد الإثنين سوى محطة أساسية ومفصليّة في هذا السياق.
وبانتظار نضوج الصورة بشكلها النهائي مع انتهاء مهلة "تركيب" اللوائح الإثنين، فإنّ المعالم الأولية للمواجهات المُنتظَرة بدأت ترتسم، ولو أنّ عدد اللوائح المسجَّلة رسميًا لا يزال متواضعًا، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2018، وهي مواجهات تكاد تكون "مستنسَخة" عن الدورة السابق برأي كثيرين، باستثناء وحيد أحدثه "إرباك" الساحة السنّية التي "انكفأ" قادتها.
فكيف تبدو الصورة فعليًا قبل نحو يومين من إقفال مهلة تشكيل اللوائح، والتي ستؤدي إلى "فرز" المرشحين، الذين يُعتقَد أنّ جزءًا كبيرًا منهم سيخرج تلقائيًا من السباق؟ هل حُسِمت التحالفات فعليًا في مختلف الدوائر وما هي معالمها الأولية؟ ماذا عن المجتمع المدني الذي كانت الأنظار موجّهة إلى "تكتيكاته"، ولو أنّ الرهان على "التغيير" لا يبدو واسعًا؟
بالنسبة إلى التحالفات، فإنّ الواضح من اللوائح التي بدأت تتشكّل، أو تلك التي في طور التشكيل، أنّها "تستنسخ" إلى حدّ بعيد، "بدعة" انتخابات 2018، القائمة على فكرة "القطعة"، استنادًا إلى ما تسمّى بـ"المصلحة الانتخابية"، بحيث ثمّة قوى ستتحالف في دوائر معيّنة، وتخوض الانتخابات على لوائح واحدة، لتدخل في "مواجهة حامية" في دوائر أخرى، فتخوض الاستحقاق على لوائح متنافسة، بل ربما "متناقضة".
وقد يكون "النافر" في الأمر أنّ بعض القوى السياسية، التي تحاول إقناع الرأي العام بمنطق "المصلحة"، استنادًا إلى أنّ "التحالف الانتخابي" لا يعكس تحالفًا سياسيًا، ستخوض الاستحقاق في صفّ واحد مع قوى "خاصمتها" طيلة الفترة الماضية، كما يحصل على سبيل المثال بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل"، المتحالفين في عدد من الدوائر، رغم "الاحتقان" السائد في صفوف جمهوريهما، والذي وصل إلى أوجه في الفترة الأخيرة.
أما "النافر" أكثر فيكمن في أنّ الحزبين "الخصمين" اللذين يتحالفان في دوائر معيّنة، ويقدّمان يد العون لبعضهما البعض في تأمين الحواصل والأصوات، ما يدفعهما إلى "غضّ الطرف" عن خلافاتهما، يعودان ليتذكّرا "الجذور" في دوائر أخرى، حيث تجدهما يصوّبان على بعضهما البعض، انطلاقًا من ملفّات الفساد وغيرها، للعب على وتر "المشاعر"، في "لعبة" قد لا تكون مبرّرة ولا مشروعة ولا مفهومة، ولو حملت شعار "المصلحة".
ورغم هذا المنطق الذي يطبع الانتخابات، ثمّة من يتحدث عن "معركة إستراتيجية" كبرى ينطوي عليها الاستحقاق، ربما تختصرها مقاربتا "حزب الله" و"القوات اللبنانية"، الذي يسعى كلٌ منهما لانتزاع الأكثرية الميثاقية قبل العددية، في ظلّ محاولات يُحكى عنها لإعادة البلاد بشكل أو بآخر إلى "اصطفافات" الماضي، بين ما كان يُعرف بقوى الثامن والرابع عشر من آذار، وهو ما أوحت به أساسًا العودة السعودية مقابل التأهّب الإيراني.
تبقى "الحلقة الأضعف" في انتخابات 2022، والمُستنسَخة بدورها عن انتخابات 2018 إلى حدّ بعيد، مرتبطة بمقاربة المجتمع المدني، أو ما تسمّى بمجموعات "التغيير"، والتي يبدو أنّ كلّ الأحداث التي عصفت بالبلد منذ الدورة السابقة، من الحراك الشعبي غير المسبوق، إلى الأزمات المالية والاقتصادية المتفاقمة، وما بينهما من انفجار اجتماعي غير مسبوق، لم تدفع هذه القوى إلى "إعادة النظر" بموقفها، ولو من باب "توحيد" المواجهة.
هكذا، أضحى واضحًا في اليومين الماضيين أنّ خلافات هذه القوى فيما بينهما باتت تتفوّق على خلافات القوى السياسية، وأنّ معظم المجموعات باتت تبحث عن حجز "حصّة" لها على اللوائح، أكثر ممّا تبحث عن "فرص حقيقية" لحجز مقاعد في البرلمان، ولو بالحدّ الأدنى الذي يتيحه القانون الانتخابي، معطوفًا على الواقع السياسي، رغم ما كرّسه هذا الأمر من انطباع "سلبي" لدى الرأي العام الذي لم يجد في أداء معظم المجموعات "البديل" الذي يتوق له.
استنادًا إلى ما تقدّم، فإنّ مجموعات "التغيير" كما أصبح واضحًا، ستخوض الانتخابات في لوائح متعدّدة ومتنوّعة في معظم الدوائر، بل إنّ عددها يتزايد في المناطق التي يُعتقد أنّ لديها حظوظًا فيها، ولكنها تتناسى أنّ هذه الحظوظ تنخفض كلما تشتّتت أصوات الطامحين بالتغيير على عدّة لوائح، فتصبح غير قادرة على تأمين الحاصل، ما يؤدي بالتالي إلى ضمان قوى السلطة والأكثرية الفوز بأغلبية المقاعد، من دون الكثير من العناء.
هكذا، يبدو أنّ الصورة تتبلور شيئًا فشيئًا، لتكون الانتخابات المنتظرة، إن حصلت في موعدها، تكرارًا لسابقتها، وحلقة أخرى من "صراع" يبدو أنّه سيستمرّ، "صراع" يبدو أنّ "المصلحة" تشكّل عنوانه الأساس، بعيدًا عن كلّ المبادئ والثوابت، وقد تكون مشكلته الأكبر أنّ "عوارضه" وصلت إلى من يصنّفون أنفسهم بـ"التغييريين"، لتقضي ربما على الآمال المتواضعة حتى إثبات العكس، بتحقيق ما يتطلّع إليه كثيرون!.