لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى أنّ "الجامعة اللبنانية تمرّ بأزمة إداريّة وماليّة واقتصاديّة خانقة، أدّت -بكلّ أسف- إلى إقفال أبوابها، وتشتّت طلّابها، وهجرة أساتذتها. نأمل من الحكومة والوزارة المعنيّة، أن تجد سريعًا الحلول اللّازمة والعادلة، فلا يجوز أن ينهار هذا الصّرح التّربوي الوطني الكبير أمام أعيننا، بعد 71 سنة من تأسيس هذه الجامعة على أسس متينة".
وطلب من الحكومة، خلال ترؤّسه قدّاس الأحد في بكركي، أن "تولي اهتمامًا خاصًّا بالأطبّاء، بسبب تردّي ظروف عملهم، بسبب ما نعيشه من أزمة ماليّة"، متسائلًا: "إذا فقدنا الجامعة وفقدنا الأطبّاء وفقدنا المصارف، ماذا يبقى في لبنان الّذي كان معروفًا بجامعة العرب ومستشفى العرب ومصرف العرب؟".
وأشار البطريرك الرّاعي إلى أنّ "في هذه الفترة القصيرة الاستعداديّة للانتخابات النيابية في 15 أيّار المقبل، يحتاج شعبنا النّاخب لأن يستمدّ النّور الإلهي، لكي يُحسن انتخاب مَن هُم الأفضل لإجراء التّغيير المنشود في الهيكليّات والقطاعات والأداء، ومن هم مخلصون للبنان دون سواه ومخلصون لشعب لبنان"، موضحًا أنّ "قيمةُ الانتخابات في المجتمعات الديمقراطيّة أنّها مناسبة للشّعوب لتغيير واقعها نحو الأفضل. أن ننتخب يعني أن نُغيّر، وأن نقترع يعني أن نختار الأفضل". ورأى أنّه "إذا كانت الانتخابات ركيزة الدّيمقراطيّة، فلا يجب أن تكون الشّعبويّة ركيزة الانتخابات".
وأكّد أنّ "الجدير بالمرشّحين أن يحدّثوا اللّبنانيّين عن مشاريعهم الإصلاحيّة الممكنة، بدلًا من التّراشق باتهامات تزيد في الانقسام والضّغينة، وقد شبعنا منها. فليبادر الشعب اللبناني بكلّيّته إلى انتخاب الأفضلين، إذا أراد حقًّا التّغيير وإصلاح الواقع. وهذا لا يتمّ إذا ظلّ المواطنون في منازلهم والانتخابات جارية"، مركّزًا على أنّ "انتخابات نيابيّة ناجحة في إجرائها ونتائجها، هي ضمانة لنجاح انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، قبل شهرين من نهاية الولاية الحاليّة بموجب المادّة 73 من الدستور، رئيس يكون على مستوى تحدّي النّهوض بلبنان".
كما شدّد على أنّ "بالمقابل، على الحكومة اللبنانية الإسراع في إجراء الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة، لأنّ سرعة الانهيار تفوق بكثير بطء الإصلاحات. أسطع مثل على بطء الإصلاحات مشروع "الكابيتال كونترول"، الّذي يحاولون تمريره بعدما فرغت صناديق المصارف، فيما كان عليهم اعتماده لدى بدء الأزمة النقديّة سنة 2019". وذكر أنّ "بقطع النّظر عن طريقة تأليف اللّجنة التّنظيميّة، بحيث تنأى عن التّسييس والمذهبيّة وتفتيت صلاحيّة حاكميّة مصرف لبنان، فإنّ فائدة الـ"الكابيتال كونترول" في كونه جُزءًا من مشروع إصلاحي متكامل، وإلّا يصبح سيفًا مُصلّتًا على النّاس، يمنعهم من التّحويلات إلى الخارج ومن سحب الأموال في الدّاخل أيضًا. فكيف يعيشون؟".
وبيّن الرّاعي أنّه "ما لم يُعدَّل هذا المشروعُ ليتلاءم مع واقع لبنان واقتصاده الحرِّ وحاجةِ الناس، سيكون مشروع حقٍّ يُراد به باطل، إذ سيعزل لبنان عن الدّورة الماليّة العالميّة، كما سيدفع ثمنه المودعون والمستثمرون والمستوردون والمصدّرون والمغتربون وجميع القطاعات الاقتصاديّة". وأكّد أنّه "يجب حماية النّظام اللّيبرالي الّذي شكّل، طوال تاريخ لبنان الحديث، أساس النموّ والازدهار وبوليسة تأمين للودائع اللّبنانيّة والعربيّة والدّوليّة الّتي كانت تُوظَّف في المصارف اللبنانية، لكونها حتّى الأمس القريب وجهة مضمونة".
وركّز على أنّه "حريًّا بالمسؤولين الّذين يتفاوضون مع صندوق النقد الدولي، أن يشرحوا له وضعيّة لبنان الخاصّة، ومدى ارتباط حياة اللّبنانيّين المقيمين بتحويلات المغتربين، ومدى ارتباط الطلّاب اللّبنانيّين في الخارج بتحويلات أهاليهم من لبنان. إنّ لكلّ بلد وضعيّة خاصّة، ولا توجد بالتّالي وصفة سحريّة تَصلُح لكلّ زمانٍ ومكانٍ ولكلِ البلدان".
ولفت الرّاعي إلى أنّه "يظلّ يقرع على باب ضمير الحكومة، الإسراع في إقرار الإصلاحات الحقيقيّة، وفي طليعتها: جدولة الدين العام، وقف الهدر، منع التّهريب، مراقبة المعابر البريّة والبحريّة والجويّة، إصلاح قطاع الكهرباء الّذي يشكّل أكبر مصدرٍ للهدر والفساد، ترشيد الإدارة، تخفيض عدد موظّفي القطاع العام وبخاصّة موظّفي المحسوبيّات السّياسيّة، وقد ناهز عددُهم نحو 350 ألف موظّف، بحيث لا يتقاضى رواتب موظّفون لا يعملون".
إلى ذلك، أعلن أنّ "الشّبهات تزداد حول مسار القضاء في لبنان، الّذي أصبح بجزء منه أداة في يد السّلطة السّياسيّة تستخدمها ضدّ العدالة"، متسائلًا: "هل نحن أمام مكافحة الفساد أم أمام مكافحة الأخصام السّياسيّين؟ كيف للسّلطة القضائيّة ألّا تَحسم بعد مصير التّحقيق في تفجير مرفأ بيروت؟ ولماذا لم تَبتّ بعد بصلاحيّة قاضي التّحقيق العدلي ليستكمل تحقيقاته في هذا الشّأن؟ ولماذا يَمتنع التفتيش القضائي عن توضيح ملفّات القضاة المحالين عليه؟ ولماذا الادّعاء التّمييزيّ العام لا يُنفّذ القرارات الّتي يُصدرها؟".
وأشار إلى "أنّنا في الحقيقة، لم نَشهد في أيّ زمنٍ سابقٍ هذا الاضطراب في عمل القضاء، وهذه التبعيّة للمنظومة السّياسيّة، وهذا التردّد لدى الهرميّة القضائيّة في وضع حدٍّ لهذه الظّاهرة الفوضويّة".