ليل الإثنين تنتهي مهلة تشكيل اللوائح التي ستتواجه في خلال الإنتخابات النيابيّة المُقبلة المُحدّدة في 15 أيّار المُقبل. فكيف تبدو الخريطة السياسيّة قبل أقلّ من شهر ونصف على موعد الإنتخابات، وماذا يريد المُرشّحون الذين يضمّون في صفوفهم مجموعة من العقائديّين ومجموعة من المَصلحيّين الوُصوليّين، وما بين هذين النقيضين أيضًا؟.
بالنسبة إلى الترشيحات العقائديّة، فهي تشمل ترشيحات الأحزاب المُلتزمة عقائديًا، والتي لها مشاريع إستراتيجيّة الأبعاد، على غرار "حزب الله". فقيادة الحزب المَذكور، تُحدّد من يترشّح، ومن يجلس في منزله، وهي تقوم بتشكيل اللوائح التي ستخوض عبرها الإنتخابات بشكل مباشر، بالإشتراك مع الحلفاء مثل حركة "أمل" و"التيّار الوطني الحُر"، وهي التي تتدخّل في تركيب لوائح القوى الحزبيّة والشخصيّات السياسيّة الحليفة أيضًا، وتتوسّط لتذليل العقبات في ما بينها. فهدف "حزب الله" هو الإستحواذمع القوى المُنضوية تحت شعار "محور المُمانعة" إضافة إلى "التيّار الوطني الحُرّ"، على الأغلبيّة النيابيّة على الأقلّ، مع الأمل بالإستحواذ على ثلثي مجلس النوّاب أيضًا. وإضافة إلى تحقيق ما سبق، وضع "الحزب" نصب عينيه مسألة إضعاف الخصوم السياسيّين إلى أقصى درجة مُمكنة، وتحديدًا حزبي "القوات اللبنانيّة" و"التقدمي الإشتراكي" عبر دعم اللوائح المُناهضة لهما، على غرار "التيّار الوطني الحُرّ"، وحزبي "الديمقراطي اللبناني" و"التوحيد العربي"، إلخ. بأقصى درجة مُمكنة، علمًأ أنّه في بعض الدوائر ينحصر هذا الدعم ببضع مئات من الأصوات، وفي دوائر أخرى يصل إلى عشرات آلاف الأصوات، وذلك تبعًا للتوزيع الديمغرافي للناخبين في لبنان.
بالنسبة إلى الترشيحات ذات البعد السياسي الإستراتيجي أيضًا، يُمكن إدراج معركة "القوّات اللبنانيّة" التي تعمل على خطّين: الأوّل على المُستوى المسيحي، ويهدف إلى الإستحواذ على أغلبيّة نيابيّة عدديّة، بشكل يضع "القوّات" في المرتبة الأولى على صعيد التمثيل المسيحي، علمًا أنّ تحقيق هذا الهدف يتطلّب إرتفاع عدد نوّاب "القوات" عمّا هو عليه حاليًا، بالتزامن مع إنخفاض عدد نوّاب "الوطني الحُر" عمّا هو عليه حاليًا أيضًا. أمّا الخط الثاني لمعركة "القوات" السياسيّة على صعيد الإنتخابات، فهو مرهون بتمكّن مُختلف القوى والشخصيّات التي لا تُصنّف في خط "محور المُمانعة" من الفوز بالأغلبيّة النيابيّة. لكن لا قُدرة لحزب "القوات" لتحقيق هذا الهدف الثاني عبر التدخّل المباشر، كما يفعل "حزب الله" لتحقيق أغلبيّة مناقضة، حيث يقتصر دور "القوات" على التشارك في بعض اللوائح مع عدد محدود من الحلفاء، مع الرهان فقط على فوز لوائح غير حليفة، لكنّها مناهضة، أو أقلّه، غير مُؤيّدة لسياسة "حزب الله".
وبين هاتين المعركتين، يوجد عدد كبير من المرشّحين الذين يخوضون المعركة تحت شعارات معارضة لكلّ الأحزاب والقوى في الحكم، وحتى لكلّ الأحزاب والقوى التي شاركت في السلطة في يوم من الأيّام. ويبني هؤلاء معركتهم على إعتراض شرائح واسعة من اللبنانيّين على الفشل في معالجة الإنهيار الإقتصادي والمالي الحاصل، وهم يراهنون على أنّ تصويت الناس قد يكون شبه تلقائي لصالح لوائح "المُعارضة"-أيّا تكن، إنطلاقًا من النقمة العارمة على الطبقة السياسيّة التي أوصلت لبنان إلى الحضيض. لكنّ مُشكلة هذه الفئة من المرشّحين، أنّها غير موحّدة، ولا تخضع لقيادة حزبيّة حازمة، كما في المثلين السابقين، الأمر الذي أسفر عن تشتّت المُرشّحين المعارضين على أكثر من لائحة، ما ينذر بضياع فرصة فوز كانت لتكون شبه أكيدة لوّ خاض هؤلاء معاركهم على لوائح مركزيّة موحّدة. ومن بين المشاكل التي تواجهها هذه الفئة من المرشّحين، غياب الرؤية الواحدة إزاء الكثير من الأمور، حيث ينخرط في المعركة الإنتخابيّة تحت عنوان "المعارضة"، مُرشّحون يساريوّن وشيوعيّون من جهة، وُصولاً إلى مُرشّحين يمينيّين من جهة أخرى. وبعض هؤلاء المرشّحين يؤمن بحصريّة السلاح ويرفض "دويلة حزب الله"، في حين أنّ البعض الآخر يدعم "الحزب" وكل "محور الممانعة"!.
وحملت لائحة أسماء المرشّحين التي تجاوزت الألف مرشّح، بعض المرشّحين الوُصوليّين والإنتهازيّين، والذين يفتقرون للحدّ الأدنى من المبادئ السياسيّة، بحيث يفاوضون مرشّح وخصمه، ويسعون للإنضمام إلى لائحة إنتخابيّة وإلى لائحة نقيضة في الوقت عينه، لأنّ هدفهم ينحصر بالوصول إلى المجلس النيابي، بغضّ النظر عن الوسيلة.
إشارة إلى أنّه إعتبارًا من يوم الثلاثاء 5 نيسان، تبدأ معركة الإنتخابات النيابيّة الفعليّة، لأنّ اللوائح تكون قد إكتملت، ولأنّ اللمسات النهائيّة على خريطة التحالفات الإنتخابيّة والسياسيّة في بعض الأحيان تكون قد إكتملت بدورها. وبعد إنقضاء الحملات الإنتخابيّة الميدانية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يحين دور الناخب اللبناني الذي سيكون عليه الإختيار بين اللوائح في دائرته الإنتخابيّة بالدرجة الأولى، مع إمكان منح صوته لشخصيّة واحدة مرشّحة في حال الرغبة، عبر خانة "الصوت التفضيلي" بالدرجة الثانية. إشارة إلى أنّ التصويت بورقة بيضاء وفق القانون الحالي، يُساهم في رفع الحاصل الإنتخابي، لأنّها تُعتبر تصويتًا كاملاً، ما ينزع عن هذا الخيار الهدف الإعتراضي المَنشود.
في الخُلاصة، البعض يعتبر أنّ الإنتخابات لن تُغيّر شيئًا، والبعض الآخر يعتبر أنّها ستُحدّد وجه لبنان للمُستقبل القريب! البعض يعتبر أنّ المعركة هي بين خطّين سياسيّين متناقضين: مع "حزب الله" ومشروعه السياسي أو ضدّه، والبعض الآخر يعتبر أنّ المعركة هي بين منظومة حاكمة بكل فئاتها-ولو أنّها متناقضة ومتصارعة في ما بينها، و"معارضة" تسعى لتغيير كلّ الواقع القائم. وفي النهاية، الكلمة للناخب... حكّم ضميرك، وحدّد هدفك، وصوّت... أو تخلّى عن حقّك وواجبك ولا تُشارك بالتصويت، لكن عليك عندها الإقلاع عن سياسة الشكوى المُتواصلة، لأنّك لم تُحاول أن تغيّر الواقع!.