على ضوء التداعيات المترتبة على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستمر في سياسة الرد على العقوبات الإقتصادية بشكل حاسم، لا سيما لناحية فرض الإعتماد على الروبل في عمليّات بيع النفط، بالنسبة إلى الدول الصديقة، بالتزامن مع تزايد المعايير التي تشير إلى إحتمال العودة إلى معيار الذهب، بعد أن قرر البنك المركزي، في الاسبوع الماضي، استئناف عمليات شراء الذهب، بسعر ثابت قدره 5000 روبل للغرام الواحد.
في هذا السياق، يشير المدير التنفيذي لمعهد الدراسات المستقبلية محمد شهاب الادريسي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن المسألة الأساسية متعلقة بالقرار الأميركي إغلاق إمدادات الطاقة الروسية أمام البلدان الأوروبية، حيث يلفت إلى أن واشنطن ولندن تدفعان تلك البلدان إلى حالة صعبة جداً على المستوى الإقتصادي، خصوصاً أن العالم لم يخرج حتى الآن من تداعيات فيروس كورونا المستجد.
ويتوقع الادريسي أن يكون لذلك صدمة كبيرة على مستوى الإقتصاد الأوروبي، لكنه يشير إلى أن التداعيات ستكون مختلفة بين دولة وأخرى، نظراً إلى مستوى الواردات بالإضافة على القدرة بالوصول إلى بدائل، ويعتبر أن القرار الروسي يحتوي على البعدين السياسي والإقتصادي، نظراً إلى أنه يعني، في حال الإستجابة الأوروبية، خضوعاً من قبلها لدولة تملي رغبتها في موضوع العملة التي تريد إعتمادها في العقود، ويلفت إلى أن الروس لديهم مصلحة في الحصول على العملات الصعبة، لكن لم يعد لديهم من خيارات أخرى، حيث لا يمكن أن توافق موسكو على تصدير غازها مقابل قيود دفترية بالعملات الصعبة لا تستطيع الحصول عليها.
وفي حين يشير إلى أن واشنطن لا تمانع أن تتأذى بعض الدول الأوروبية، نظراً إلى أن هذا الأمر سيكون له تداعيات على مستوى العلاقات الأوروبية الروسية، يرى أنه كان من الممكن إستثناء قطاع الطاقة الروسي من العقوبات، لكنه يعتبر أن هناك قراراً بالذهاب إلى "شيطنة" روسيا منذ ما قبل العملية العسكرية، ويلفت إلى أن إستمرار الولايات المتحدة في سياسة العقوبات الإقتصادية قد يؤدي إلى إنخفاض الثقة العالمية في الدولار.
من جانبه، يشير الخبير الإقتصادي جاسم عجاقة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن قرار ربط الروبل بالذهب هدفه التخفيف من قلق إنخفاض قيمته، الأمر الذي قاد إلى تحسن سعر صرف العملة الروسيّة، مذكراً بأنه في الماضي كانت جميع العملات مرتبطة بالذهب. ويلفت إلى أن هذا الأمر قد يكون له تأثير على المستوى التجاري لكن ليس على المستوى قصير المدى، بل على المستوى المتوسط أو الطويل، لا سيما إذا ما أصبح الروبل جزءاً من تجارة النفط على المستوى العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح عجاقة أن ربط عمليات بيع الغاز الروسي بالروبل لن تغير أي شيء على مستوى الصورة الحقيقية، نظراً إلى أن الدول الأوروبية كانت تدفع الأموال إلى شركات الغاز الروسية في حسابات مصرفية لديها، لكن اليوم تريد موسكو أن تأتي بهذه الأموال إلى مصارفها على أن تدفع إلى الشركة بالروبل، وبالتالي الدول الأوروبية ستبقى تسدد قيمة فواتيرها بالدولار أو باليورو، إلا أنه يوضح أن الهدف من وراء ذلك هو الإلتفاف على العقوبات، نظراً إلى أن الحسابات المصرفية الروسية في الدول الأوروبية مجمدة منذ بداية الحرب.
في المحصلة، يبدو أن الجانب الروسي قرر الذهاب بعيداً في مواجهة سياسة العقوبات الإقتصادية عليه من قبل الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يكون لها تداعيات سلبية على فارضي العقوبات في الفترة المقبلة، لا سيما أن واشنطن، من خلال التركيز على سياسة العقوبات، تعزز مساعي معارضيها نحو البحث عن خيارات بديلة.