في ذروة الموسم الانتخابي، تحقّق "الخرق" الذي طال انتظاره، فاجتمع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، على طاولة واحدة، بدعوة من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، الذي قيل سابقًا إنّ كلّ "الوساطات" التي بذلها منذ سنوات للتقريب بين "حليفيه" باءت بالفشل، أو لم تصل لمستوى الدعوة للقاء.
في التوقيت، أثار لقاء "المصالحة" بين الحليفين "اللدودين"، إن جاز التعبير، تساؤلات بالجملة، فهو يأتي قبل الانتخابات النيابية في منتصف أيار، لكن بعد إغلاق مهلة تسجيل اللوائح بصورتها النهائية، وبالتالي إنجاز التحالفات التي لا رجعة عنها، ما يعني أنّ أيّ انعكاسات "انتخابية" له قد لا تكون مُتاحة، بعدما تموضع الرجلان في اتجاهات "مضادة" في كلّ الدوائر.
وفي المضمون أيضًا، أثار اللقاء الكثير من التكهّنات، إذ اكتفى البيان "المقتضب" الذي صدر عن العلاقات الإعلامية في "حزب الله" حوله على الإشارة إلى تناوله العلاقات الثنائية والأوضاع السياسية، فيما وضعه فرنجية في "سياقه الطبيعي، وبمعزل عن أي تحالف انتخابي"، متحدّثًا عن فتح "صفحة جديدة" لم يتّضح على الفور شكلها، ولا التبعات التي قد تنجم عنها.
فكيف يمكن أن يُقرَأ حصول اللقاء بين باسيل وفرنجية في هذا التوقيت بالتحديد، وعلى أبواب الانتخابات النيابية؟ لماذا لم ينتظر المعنيّون إنجاز الاستحقاق أولاً، ليُبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه؟ وما الذي أراده "حزب الله" عمليًا من جمع حليفيه اليوم، بعدما "تقاعس" عن ذلك لسنوات، إن جاز التعبير؟ وهل حضر الاستحقاق الرئاسي المرتقب على خط اللقاء؟.
الأكيد، بحسب ما يؤكد العارفون والمتابعون، كما المحسوبين على كلّ من "التيار الوطني الحر" و"تيار المردة" أنّ اللقاء أبعد ما يكون عن الانتخابات النيابية المقبلة وتحالفاتها، ولو جاء في توقيته قبل شهر ونيّف من الاستحقاق، بدليل أنّ التحالفات مُنجَزة وقوامها "المنافسة" في معظم الدوائر، وأنّ إمكانية أيّ تعديل في الاصطفافات الانتخابيّة بات اليوم متعذّرًا، سواء في القانون، أو حتى في السياسة، وعلى مستوى الحشد والتعبئة والاستقطاب.
مع ذلك، يقول البعض إنّ انعكاسات اللقاء الانتخابيّة قد لا تغيب كليًا، بل ستحضر على شكل "تهدئة" الخطاب الانتخابي المتبادل، بحيث ينخفض "سقف" الكلام الذي لطالما كان عالي السقف بين الجانبين، ويبتعد بالتالي عن "التشنّج والتخوين"، وذلك من باب مراعاة "الصفحة الجديدة" التي فُتِحت، والتي قد تكون ترجمتها الفورية "هدنة إعلامية"، تترافق مع التحضير لجلسات "تنسيقية"، ألمح إليها رئيس تيار "المردة" أساسًا بتعليقه الأولي على اللقاء.
ولعلّ هذه "الهدنة" هي ما ينشده "حزب الله" تحديدًا، وهو راعي اللقاء، من حصوله في هذا التوقيت، الذي يبدو "حسّاسًا" بالنسبة إليه، وقد سبق أن أعلن أنّه يخوض في هذه الانتخابات "معركة حلفائه"، علمًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّه كان قادرًا على جمع باسيل وفرنجية في أي وقت سابق، لو أراد، بدليل ما قاله فرنجية عن أنّ السيد نصر الله يشكّل "ضمانة لأيّ لقاء"، وأنّه كان أيضًا ليلبّي أيّ دعوة مشابهة لو صدرت عن البطريرك الماروني أو رئيس الجمهورية.
بهذا المعنى، يمكن قراءة اللقاء بين باسيل وفرنجية، على أنّه ليس لقاء "انتخابيًا" بصورة مباشرة، ولكنّه "تحضيري" لمرحلة ما بعد الانتخابات، التي أصبح واضحًا أنّ "حزب الله" يضع عينه عليها، وأنّه يرتّب صفوف حلفائه لهذه الغاية، وذلك من أجل تكريس "مقاربة" جديدة في ضوء "المعادلات" التي قد يفرزها الاستحقاق الانتخابي، ولو أنّه "مطمئنّ" إلى أنّها لن تحمل تغييرات "جذرية" كما كان بعض الداخل والخارج يمنّي النفس.
ويسعى "حزب الله" كما أصبح واضحًا أيضًا، إلى إعادة إحياء "تحالف" الثامن من آذار بشكل أو بآخر، وبالحدّ الأدنى "تحصينه" لمواجهة الاستحقاقات المُنتظَرة بعد الانتخابات، خصوصًا في ضوء "الضغوط الدولية" التي قد تشتدّ، علمًا أنّ هذه المهمّة قد لا تكون شديدة "التعقيد"، بعدما أدرك باسيل مثلاً أنّ "مصلحته" بالبقاء إلى جانب "حزب الله"، وطالما أنّ الخلاف بينه وبين فرنجية مثلاً لم يكن يومًا على الأمور الاستراتيجية والملفات الكبيرة.
يبقى ملفّ الانتخابات الرئاسية الذي كان سبب "الخلاف المباشر" بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المردة"، بعدما اعتبر فرنجية أنّ "العونيّين" غدروا به، يوم أصبحت الرئاسة "في جيبه"، ولم يتعاملوا معه على أنّه "حليف" ارتضى يومًا أن يكون جزءًا من تكتّلهم النيابي، علمًا أنّ مخاوف جدية تدور اليوم من أن "ينفجر" الخلاف مجدّدًا على أبواب الاستحقاق الرئاسي المقبل، في ظلّ "الطموح الرئاسي"، الذي قد يكون مشروعًا، لكلّ من باسيل وفرنجية.
في هذا السياق، يؤكد العارفون أنّ الملف الرئاسي "مؤجَّل"، وهو على الأرجح لم يكن على "أجندة" اللقاء الذي رعاه "حزب الله"، للكثير من الاعتبارات والأسباب، أولها أنّ الدخول في "بازار" الرئاسي سابق لأوانه، طالما أنّ "خريطة" مجلس النواب غير واضحة بعد، وثانيًا لأنّ للانتخابات الرئاسية "ظروفها" التي تحكمها، وقد أثبتت التجربة على مرّ السنوات أنّ "التكهّن" بها، أو حتى رسم "ملامحها"، قبل أشهر من موعدها، يبقى احتمالاً غير واقعي.
وفي مطلق الأحوال، يرى العارفون أنّ اللقاء الذي جرى برعاية "حزب الله" وبطلب منه، ليس سوى "خطوة أولى" في مسار قد لا يصل إلى "خواتيمه"، إلا أنه يشكّل، على الأقلّ من منظور الحزب، حاجة لا غنى عنها في مرحلة ما بعد الانتخابات، وهو "تعمّد" أن يكون توقيته سابقًا لها، ليكون ضمن أدوات "احتساب" الأكثرية العددية والميثاقية الجديدة، في وجه ما يخشاه من محاولات "حصار" يسعى خصومه مع "التغييريين الجدد" على نسجها.
يقول البعض إنّ مجرّد فكرة فتح "صفحة جديدة" بين باسيل وفرنجية قد تكون "مستفزّة"، بعد كلّ ما شاب العلاقة بينهما في الفترة الأخيرة، والذي وصل إلى حدود "التجريح الشخصي" في مكان ما. لكن باختصار، هي السياسة في لبنان، سياسة تغلّب "المصالح" على كلّ شيء آخر، سياسة يبدو وفق كلّ المؤشرات أنّ الانتخابات النيابية المقبلة ستجدّد "البَيْعة" لها، لأسباب بعضها مرتبط بقانون انتخاب "مفصّل على القياس"، وبعضها الآخر مرتبط بـ"نقمة" لا ترجمة لها!.