لفت رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيّين الكاثوليك، المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، إلى أنّ "المشهد الدّولي والشّرق أوسطي ومصير المسيحيّين بخاصّة في المشهدين، ربّما يجعلنا نظنّ أنّ لنا صليبًا وجلجلةً ولا شيئ آخر. فاليأس والبؤس، الحرب والعنف، القتل والتّهجير، الفقر والجهل، المرض والألم، الإجهاض والإدمان وكلّ الاضطراب المحيط بنا، يجعلنا نعيش لحظات الظّلام والزّلزلة والخوف المرير المرافقين للصّليب".
وأشار، في رسالة الفصح الّتي وجّهها إلى الآباء والشمامسة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين والمؤمنات وأصدقاء الأبرشيّة، إلى أنّه "كلّما أسلم بريء منّا الرّوح، ينشقّ من جديد حجاب هيكل كرامة الإنسان وأمنه وحريّته واستقراره، حتّى ليبدو لنا كيانه مهدّدًا بالدّمار والانهيار. لم تعد الجلجلة هضبةً صغيرةً في أورشليم، بل امتدّت في أيّامنا على مساحة الأرض كلّها، الّتي انحصرت فيها فسحات السّلام وواحات الأمان، أمام هجمات المخرّب الشّنيع".
وركّز المطران ابراهيم على أنّ "العالم يفتش عن ذاته الضائعة، وصرخات الـ"كفى" لم تعد كافية، والاستنكار صار مرادفا للصمت في قواميس اللغة الجديدة، التي لا يفهمها إلا أهل الحرب وصناع الخرائط التي ترسمها المصالح. حكم علينا الكرامون القتلة أن يصير عرقنا قطرات دم متخثر تتساقط على الأرض، وأن نحزن حتى الموت". وبيّن أنّ "سلطان الظلام يحاول الانتصار علينا ولو إلى حين، ويهوذا يخوننا كل يوم، يقبلنا ويسلمنا، وبدلا من أن يشنق نفسه يشنقنا لأنه عاجز عن جعلنا أبناء الهلاك".
وأوضح أنّ "كثيرين منا يشعرون ما شعر به الرسل الذين هالهم صلب المسيح، فاستولى عليهم الهلع وأنكروا السيد. كثيرون منا في شك، ننتظر صياح الديك لنبكي البكاء المر، إذ نتذكر أن الرب عارف ضعفنا. جريمتنا أننا به أصبحنا أبناء الله، فاعتقلنا ليطلق برأبا. يهتفون لصلبنا ويشتد صياحهم، فيقضي بيلاطس بإجابة طلبهم. نحمل صليبنا وننتظر قيروانيا يعيننا".
وذكر ابراهيم أنّ "أمهاتنا يضربن الصدور وينحن علينا، لأن العالم غير مستحق لنا. هذا مصيرنا ونحن شجرة خضراء. فكيف سيكون مصير الشجرة اليابسة المدركة والقائلة للجبال: اسقط علي. وللتلال: غطني! غاظهم أننا من على الصليب نقول: "يا أبانا اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون. يا أبانا في يديك نجعل أرواحنا، ونلفظ الروح. أما هم، فيفرحون لأنهم يظنون أنهم أدوا لله عبادة".
كما شدّد على "أنّنا نتأمل واقعنا، ونعيد السؤال: هل ستكون لنا قيامة هذه السنة؟ ويأتي الجواب من عمق إيماننا في مطلع الفجر الجديد لأحد لا نهاية له مع المنتصر على الموت، سيد الحياة. بدون هذا الإيمان، نكون أشقى الناس أجمعين. أما به، فتنفتح أعيننا ولا نعود بطيئي القلوب عن اليقين بما تكلم به الأنبياء". ولفت إلى أنّ "عندها، نطلب من السيد أن يمكث معنا إذ مال النهار وحان المساء. يقدم لنا ذاته غذاء من جديد، فتتقد قلوبنا في صدورنا. أيامنا كلها صارت اليوم الثالث. لم يبق فينا إلا الفرح الذي به نعلن للملأ أننا شهود ليس لما عاينا فقط، بل لما في ذواتنا اختبرناه وعشناه. وعود الرب تتحقق لنا وبنا، وهو الذي سيلبسنا قوة من العلى".
وأكّد "أنّنا الآن أصبحنا قادرين على أن نأخذ نورا من النور الذي لا يغرب، فيتحول الظلام الذي فينا إلى ضياء. لم نعد عميانا يقودون عميانا، بل صرنا أبناء الرؤى والأحلام، أبناء النهار والنور العظيم. لم نعد ترابا، يعود بالموت إلى التراب، بل صرنا نورا إلى النور يعود. لم نعد مخلوقين على صورته ومثاله فحسب، بل صرنا له أبناء ووارثين". وفسّر أنّ "قيامة المسيح حولتنا، بدلتنا، حررتنا، وبخمير الأبد جبلتنا. قيامته لاشت سلطان ضعفنا، فتشددنا وحيينا، واقتدار الموت علينا اضمحل. لم يعد ذبحنا موتا أو نهاية، فنحن أبناء القيامة. لم يعد البغض والحقد قادرين أن يزرعا فينا العفن والانحلال لأن نعمة القائم عمدتنا بماء النعمة وختمتنا بختم موهبة الروح القدس. لم تعد أبواب الجحيم تقوى على جماعتنا المؤمنة لأنها تأسست بأمره الإلهي".
وأفاد ابراهيم بأنّ "ألفي سنة مرت والجماعة مستمرة. لم يستطع هدمها لا من هم في خارجها، ولا حتى بعض الذين هم من داخلها. القائم في وسطها جعلها كنيسة قائمة، حية ومحيية، صابرة ومنتصرة، متألمة ومبتهجة، شاهدة ومستشهدة، غنية بفقرها وقوية بضعفها"، مركّزًا على أنّ "نعم، ستكون لنا قيامة هذه السنة وكل سنة وعلى الدوام. فالقيامة فينا، في قلوبنا، في عروقنا، في أذهاننا، في إيماننا وفي عمق كياننا. نحن مصلوبون معه، ونقوم أيضا معه. لسنا نحن الأحياء، بل هو الحي فينا".
وأضاف: "إخوتي الأحباء، لا تخنقوا بذرة القيامة التي فيكم بتبنيكم حضارة الموت والظلم والظلام، بدل حضارة الحياة والخلاص. لا تخسروا الفداء المقدم لكم مجانا بإعلاء الخطيئة على شعلة النعمة المعطاة لكم. لا تختاروا إطفاء الضمير من أجل ربح عابر ليس هو إلا خسارة تدوم. ضحوا بالمصالح الضيقة من أجل وحدة جماعة المؤمنين. تعالوا عن الانقسامات والانشقاقات لأنها من الشرير. أصلحوا بالغفران. عالجوا بالمحبة. ابنوا بالكرم. رمموا بالمصالحة. استقووا بالإيمان. سيروا بالصبر. افرحوا بالإنجيل. أعطوا بالتهليل. أصغوا بالتواضع. حاوروا بالإصغاء. أنعشوا بالروح. أعرضوا عن تشويه سمعة الآخرين. احترموا كرامات الناس. عيشوا المشورات الإنجيلية وأتموا الوصايا، ووصية المحبة خاصة. لا تكتبوا بحبر الظلم باسم الإصلاح. ولا تبادروا إلى الهدم باسم البنيان. لا تستسلموا للتعصب أو لتجربة احتقار الآخرين، أو أولئك المختلفين عنكم بالعرق أو اللون أو الدين خاصة. لا تبيعوا الحق لربح المال، ولا تبنوا نجاحاتكم على فشل الآخرين. لا تستعملوا العنف سبيلا لتحقيق السلام، فهذه أكبر أكذوبات كل العصور. لا تتبعوا آلهة هذا الزمن المزيفين الذين يهدمون الإنسان بالادمان والفراغ والتسلط والمال والالحاد".
إلى ذلك، أشار إلى أنّ "ما ذكرت، وما لم أذكر من الوصايا الصادقة، تضعنا على طريق المسيح المنتصر على الموت كي ننتصر نحن به على فسادنا وموتنا ونصير أبناء القيامة"، مبيّنًا أنّ "أمنيتي الأكبر والأعمق، هي أن نشهد بأسرع وقت ممكن قيامة لبناننا العزيز من جبّ الفساد والانهيار، والدّخول في زمن الاستقرار والازدهار".