مع إرتفاع حماوة المعركة في معظم الدوائر الإنتخابية، ترتفع الإتهامات التي توجه من مختلف اللوائح إلى بعضها البعض بإعتماد الرشاوى الإنتخابيّة، التي يمكن الجزم بأنها عادة درجت عليها مختلف القوى السياسية منذ سنوات طويلة، لكنها اليوم تزداد على نحو كبير نتيجة التدهور الحاصل في الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، الأمر الذي دفع البعض إلى إبتكار أساليب جديدة يسخر منها المواطنون في الكثير من الأحيان.
عمليات دفع الأموال بدأت تُرصد في العديد من الدوائر الإنتخابيّة، هذا ما يؤكد عليه الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ"النشرة"، أبرزها في بيروت الأولى وبيروت الثانية وزحلة وكسروان وجبيل والبترون-الكورة-بشري-زغرتا، بينما الشوف-عاليه تسير على المنوال نفسه، إلا أنه يلفت إلى أن الجميع سيدخل هذه اللعبة في نهاية المطاف، حيث يعتبر أنها تشبه ما يحصل على مستوى سعر صرف الدولار في السوق السوداء، نظراً إلى أن من يشتري اليوم يستفيد من الإنخفاض الحاصل في الأسعار، التي من المتوقّع أن ترتفع أكثر مع إقتراب موعد الإستحقاق الإنتخابي.
ويوضح شمس الدين أن سعر الصوت يختلف من دائرة إلى أخرى، لا سيما إذا ما كان الناخب ينتمي إلى واحدة تشهد منافسة قويّة من الممكن أن يؤثر فيها أي صوت، كما أن الأمر مرتبط بوجود مرشّحين من المتموّلين على اللوائح، الأمر الذي يفتح باب المنافسة بينهم، ويلفت إلى أن دائرتي الجنوب الثانية والثالثة هما الأقل على مستوى هذه الظاهرة، ويشير إلى أنّ الأمر نفسه ينطبق على دائرتي عكار وبعبدا، نظراً إلى أنه في الأولى هناك إصطفاف واضح بينما في الثانية هناك تسليم بالنتيجة المبدئيّة التي تحصر المعركة بمقعد واحد.
في هذا السياق، أظهر تقرير لـ"الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات"، صدر في الأيام الماضية، بالتعاون مع مؤسسة "مهارات"، نماذج من الرشاوى الإنتخابية، كالمستلزمات والخدمات الطبّية والمولّدات الكهربائيّة والمحروقات والقسائم الشرائيّة، بينما كان هذا الأمر يظهر عادة، في الأيّام أو الساعات القليلة التي تسبق الإستحقاق الإنتخابي، مع العلم أنّ بعض الرشاوى كانت عبارة عن توزيع فوط صحّية أو حليب أطفال أو تنظيم دورات تعليمية.
ويشدد المدير التنفيذي في الجمعية علي سليم، في حديث لـ"النشرة"، على أن كل المساعدات العينيّة والنقديّة تعتبر رشوة قبل الانتخابات، إلا أنّه يلفت إلى أنّ من الصعب كشف الرشاوى النقدية كونها لا تحصل علناً بخلاف باقي أنواع الرشاوى، ويؤكد أنّ هذه الظاهرة، بالمقارنة مع السنوات الماضية، ازدادت كثيراً بسبب التدهور الحاصل في الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة.
على المستوى القانوني، تنص الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون الإنتخاب على أنّه "تعتبر محظورة أثناء فترة الحملة الانتخابيّة الالتزامات والنفقات التي تتضمّن تقديم خدمات أو دفع مبالغ للناخبين، ومنهـا عـى سـبيل المثال لا الحصر: التقديمات والمساعدات العينيّة والنقديّة إلى الأفراد والجمعيّات الخيريّة والإجتماعيّة والثقافيّة أو العائليّة أو الدينيّة أو سواها أو النوادي الرياضيّة وجميع المؤسسات الرسمية".
إلا أن المشكلة تكمن في الفقرة الثانية من المادة نفسها التي تنص على أنه "لا تعتبر محظورة التقديمات والمساعدات المذكورة أعلاه إذا كانت مقدّمة من مرشحين أو مؤسّسـات يملكها أو يديرها مرشّحون أو أحزاب درجوا على تقديمهـا بذات الحجم والكمّية بصورة اعتيادية ومنتظمة منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل بدء فترة الحملة الانتخابية، وفي هذه الحالة تعتبر المدفوعات والمساعدات المقدّمة أثناء الحملة الانتخابيّة خاضعة للسقف الانتخابي المنصـوص عليه في المادة 61 من قانون الانتخابات".
في هذا الإطار، تعمد العديد من القوى السياسية إلى محاولة رمي المسؤولية على هيئة الإشراف على الإنتخابات، الأمر الذي يدفع رئيسها القاضي نديم عبد الملك إلى التأكيد، في حديث لـ"النشرة"، أنه لم تتقدّم أيّ جهة بشكوى تتعلق بموضوع الرشاوى الإنتخابية حتى الآن، بالرغم من تشديده على وجود فوضى قائمة في كل شيء، ويضيف: "طالبنا أكثر من مرة من الجميع تقديم شكاوى، لا سيما في موضوع الرشاوى، لإحالتها إلى القضاء المختص، ونقدم جميع التسهيلات في هذا الشأن".
عبد الملك الذي يرفض رمي المسؤوليات على الهيئة، يلفت إلى أنها تقوم بما هو متوجب عليها في ظلّ الإمكانات المتوفّرة لديها، ويشير إلى أن الإتهامات المتبادلة بين مختلف الأفرقاء تحولت إلى مادة إنتخابيّة، ويوضح أن الرشوة هي بين راشٍ ومُرتشٍ ولا يمكن رصدها إلا إذا تقدم أحدهما بشكوى، الأمر الذي لا يحصل لأنّهما شركاء في الجرم، أو إذا تمّ ضبطها بالجرم المشهود، لكنه يذهب أبعد من ذلك إلى القول: "في الأصل الرشوة الإنتخابية مشرّعة من خلال المادة 62 من الدستور التي نطالب بإلغائها".