لا يشبه زلزال الرابع من آب الذي دمّر مرفأ بيروت ومحا معه جزءًا من ذاكرة المدينة وأثّر على الحياة في لبنان، نتيجة توقّف المرفأ الذي يعدّ الشريان الحيوي في الاقتصاد اللبناني، أيّ كارثة أخرى. سنة ونيف مرّت على اليوم المشؤوم وكل حجر في المرفأ ظلّ شاهداً على "جريمة العصر" الذي تركت في قلوب اللبنانيين جرحاً لن يشفى بسهولة.
أهالي ضحايا إنفجار المرفأ لا يزالون كلّ يوم يعتصمون مطالبين بالحقيقة، بالمقابل انطلقت الدولة في رحلة إعادة إعمار ما تهدّم في مرفأ بيروت وهنا حصلت المشكلة الكبيرة، النزاع واقعٌ بين مجلس الوزراء الذي إتّخذ قرار هدم إهراءات المرفأ وإعادة إعمارها وبين من يطلب ترميمها وتدعيمها.
يؤكد وزير الاشغال والنقل علي حميه لـ"النشرة" أن "اللجنة الوزارية استندت الى شقين، قانوني وفني حتى إتخذت قرار هدم إهراءات مرفأ بيروت وإعادة الاعمار من جديد، خصوصاً وأن التحقيقات أصبحت في مراحلها الأخيرة، وبالتالي لا داعي للإبقاء عليها". هذا من جهة، ولكن للمعماريين في نقابة المهندسين رأي آخر، إذ تشير رئيسة فرع المعماريين الاستشاريين في النقابة دفينا أبو جودة أن "من الناحية الهندسية ممنوع هدم الاهراءات، بل يجب تدعيمها مع ترميمها ،وحتى ذلك الحين يجب تأمين مسافة لمن يمرّ بجانبها".
"بات معروفاً أنّ الجهة الجنوبية من الاهراءات ليست ثابتة والشمالية منها قبالة البحر تميل". هنا تلفت دفينا أبو جودة عبر "النشرة" أن "الشتاء جاء قاسياً والاهراءات جَنَحت أكثر من الصيف الماضي ولكن ليس بدرجة كبيرة وبالتالي لا يوجد خطر للإسراع في هدمها". في حين أن وزير الاشغال علي حمية أوضح أن "الخبراء الاوروبيين أكدوا أنّها آيلة للسقوط وبالتالي يجب إزالتها وإعادة إعمارها". تعود دفينا أبو جودة لتشددّ على أن "لهذه الاهراءات أهمية كبيرة من الناحية المعماريّة فهي يجب أن تبقى مَعلَماً شاهداً على الجريمة التي هزّت بيروت، بل وهي أيضاً "ضحية" من الضحايا وهدمها يعني قتلها مرّة أخرى".
رُغم إختلاف الآراء حول ضرورة الابقاء على الاهراءات مع تدعيمها، ترميمها أو هدمها يبقى لأهالي الضحايا موقفهم من المسألة، فكل منهم إما فقد حبيباً له أو مجروحا أو مشوّها أو حتى مريضا لا يزال يرقد في المستشفى رغم مرور الزمن. الأهالي يرفضون بشكل قاطع أي هدم للإهراءات ما لم يصدر القرار الظنّي بعد، داعين الى استكمال التحقيقات وهناك عدة دراسات لاستبدال الهدم بالتدعيم.
إذاً، تعدّدت الآراء وإختلفت. نقابة المهندسين تشدد على ضرورة إبقاء الاهراءات "كشاهد على الجريمة" مع تدعميها وترميمها، بينما الدولة ومعها وزارة الاشغال تؤكدان أنه يجب هدمها واعادة بناءها، لأنها معرّضة للانهيار استنادا الى دراسة قام بها مجلس الانماء والاعمار، والسؤال الذي يطرح هنا لماذا لجأت وزارة الاشغال الى مجلس الانماء والاعمار للقيام بالمهمّة، ولماذا لم تسند الى مديرية الطرق والمباني في وزارة الاشغال؟ بالمختصر "لماذا تنازل وزير الاشغال عن صلاحيّاته لصالح الانماء والاعمار الذي تحوم حوله شبهات فساد"؟.