لا يترك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مناسبة سياسية او إطلالة اعلامية، الاّ ويؤكد فيها حلفه وصداقته مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي. لكن لماذا لم يتحالف الصديقان في الإنتخابات النيابية؟
يقول المطّلعون الاّ مصلحة للفريقين بالتحالف الانتخابي، رغم حاجة جنبلاط لأصوات بري في دوائر: جبل لبنان الرابعة(الشوف)، البقاع الثانية(البقاع الغربي-راشيا)، وبيروت الثانية. بينما تنحصر حاجة برّي لأصوات جنبلاط في دائرة الجنوب الثالثة(مرجعيون-حاصبيا، بنت جبيل، النبطية)، وتحديداً عند دروز حاصبيا.
تبدو القصة على الشكل التالي:
أولاً، إنّ الأداء السياسي "التقدمي"، والخطاب الإعلامي "الاشتراكي"، والتموضع الجنبلاطي، كلها عوامل أبعدت فكرة التلاقي بين عين التينة والمختارة في لوائح انتخابية واحدة.
ثانياً، يشكّل تحالف الثنائية الشيعية أولوية عند كل من حركة امل و "حزب الله"، حيث تغيب كل الصداقات والمصالح عند اي منهما، مهما كان حجمها، أمام تحالفهما السياسي والانتخابي.
ثالثاً، عندما قرّر جنبلاط التحالف مع حزب القوات، إبتعد انتخابياً عن برّي، الذي كان يسعى دائماً لضم "التقدمي" الى حلف مع الثنائي الشيعي، لكان خيارات جنبلاط الداخلية والاقليمية، هي في مكان آخر.
إزاء ذلك، حاول جنبلاط تحييد بري عن كل معارك "التقدمي" السياسية مع حلفاء حركة امل، كي لا يصيب بري بشظية اعلامية او سياسية موجّهة من المختارة. ولم يقتصر الامر عند هذا الحد، بل حاول الاشتراكيون حماية مقعدهم الدرزي في دائرة بيروت الثانية لتأمين فوز النائب فيصل الصايغ، عبر دور ما لبري، لكن حركة امل تخوض معركة مرشحها النائب محمد خواجة ضمن لائحة تضم حلفاءها، ومن بينهم الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرشّح نسيب الجوهري، وهي تحتاج لكل صوت انتخابي وتمنع تسرّبه الى اي جهة.
كما حلّت شائعة توجيه بعض الاصوات الشيعية في دائرة البقاع الثانية(البقاع الغربي-راشيا) للنائب وائل ابوفاعور، لكن لا صحة لتلك الفرضية، بإعتبار ان حركة امل تخوض معركة مرشحها قبلان قبلان ضمن لائحة "الغد الأفضل" التي تضم ايضاً المرشح عن المقعد الدرزي طارق الداوود، وهي تحتاج لكل صوت انتخابي وتمنع تسرّبه الى اي لائحة تنافسها.
اما مشهد حاصبيا، فهو امر خارج هذه المقاربات، انطلاقاً من حقيقة ان الوزير السابق مروان خيرالدين هو مرشح توافقي، وبالتالي حصل على اجماع القوى التقليدية في تبني ترشيحه على لائحة كتلة التنمية والتحرير.
بالمحصلة، لن تباعد الانتخابات بين بري وجنبلاط، لتبقى العلاقة خاضعة لحسابات الفريقين التي يعود بها رئيس التقدمي الى العقود الماضية، وتحديداً ايام الحرب اللبنانية، مستذكراً الشراكة بينهما في "اسقاط اتفاق 17 آيار"، والتحالف المشترك مع سوريا آنذاك، ومتناسياً كل محطات المواجهة التي خاضا فيها معارك ضد بعضهما في بيروت.