أثار اقتراح المفوض العام لوكالة "الأونروا"(1) فيليب لازاريني، عن أهمية قيام بعض المؤسسات الدولية تقديم خدمات نيابة عن "الأونروا" ضجّة كبرى في الاوساط الفلسطينية الرسمية والسياسية والشعبية، وسط اجماع فصائلي وطني واسلامي على رفضه جملة وتفصيلا، لانه يعني عمليا تفكيك الوكالة الاممية والمساس بجوهر قضية اللاجئين وشطب عنوانها السياسي وتحويلها الى انساني-اغاثي، تحت ذريعة العجز المالي المتراكم، بينما المطلوب هو السعي لتأمين التمويل لديمومة عملها الذي أسست من اجلها في غوث وتشغيل اللاجئين.
لازاريني وفي رسالة الى اللاجئين الفلسطينيين، عرض واقع الاونروا المرير والصعوبة البالغة في تأمين الاموال لاستمرار تقديم الخدمات، قبل ان يصف دعواته ومن سبقه في ذات المنصب من المانحين بتقديم المساعدة، بانها باتت توسلا لدرجة طلباً للمساعدة إذا أردنا للخدمات أن تستمر. مع تعهده انه سيواصل دون تحفظ بذل كل ما في وسعه لجمع الأموال للحفاظ على جميع الخدمات وحماية حقوقهم وولاية الأونروا.
وقال حرفيا "في هذا الإطار، يتمثل أحد الخيارات التي يجري استكشافها حالياً في زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة الأوسع إلى أقصى حد. ويشغل مكانة مركزية في هذا الخيار أن يكون من الممكن تقديم الخدمات نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها، وبالتالي بما يتماشى تماماً مع الولاية التي تلقتها الأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة. مثل هذه الشراكات تملك إمكانية حماية الخدمات الأساسية وحقوقكم من نقص التمويل المزمن".
وشكلت رسالة لازاريني مفاجأة من العيار الثقيل في الاوساط الفلسطينية كافة التي اعتبرت لـ"النشرة"، ان هذا الخيار هو الاخطر، لانه يعني عمليا تفكيك "الاونروا" من خلال توزيع الخدمات الصحية والتعليمية والاغاثية والبنى التحتية والتوظيف على منظمات ووكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة وغيرها، بمعنى أن خدمة الصحة سيتكفلها برنامج الصحة العالمي والتعليم الأونيسكو، والأطفال لليونيسف، والأمن لقوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" في لبنان ودواليك.
واعتبرت الاوساط ان هذا الخيار رغم تأكيد لازاريني في ذات الوقت انه ليس مطروحاً على الطاولة تسليم أو نقل للمسؤوليات والبرامج، او أي عبث بولاية الوكالة التي لا يمكن الاستغناء عنها... يحاكي المؤامرة الدولية على انهاء الاونروا من خلال حرف عنوانها من السياسي كشاهد حي على نكبة فلسطين الى انساني-خدماتي، وهو ما دعت اليه "صفقة القرن" ابان عهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب بطريقة مختلفة، وجاء قبلها تأكيد رئيس وزراء اسرائيل الاسبق بنيامين نتانياهو مطلع العام 2018، انه سيكون السم القاتل على مستوى حقوق اللاجئين السياسية بالعودة، وبهذا المعنى يصبح وجود "الأونروا" في الجمعية العامة تدريجيا معنويا تماما كما وجود لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين المعطّل دورها منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، ومن ثم تحويل قضيتهم إلى ملف حالات اللجوء التي حدثت وتحدث، لأسباب غير السبب الفلسطيني.
ويقول الباحث الفلسطيني مدير عام الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين في لبنان علي هويدي لـ"النشرة"، ان اقتراح لازاريني خطير لأن خطاباته تمر على عدد من الأقسام الداخلية لا سيما الدائرة القانونية والاعلامية والمستشارين... وهي تصريحات مخطط لها لقياس ردات الفعل الفلسطيني، في وقت يجري التحضير لتجديد ولاية "الأونروا" نهاية العام الجاري"، مستغربا "رغم كل الضجة والرفض الفلسطيني لم يتراجع حتى الان عن خياره بل حاول التبرير"، مؤكدا "انه ليس من وظيفته مثل هذا الطرح بل مهمته البحث عن مصادر تمويل رغم كل الصعوبات بسبب الحرب الروسية–الاوكرانية"، مشددا "ان المطلوب هو تأمين موازنة للوكالة من الدول او الامم المتحدة بشكل دائم لقطع الطريق على كل هذه الخيارات وذرائعا".
ودعا هويدي لازاريني للتنحي او تحمل المسؤولية في الحفاظ على ولاية الوكالة إلى حين عودة اللاجئين وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة، والابتعاد عن أي مقترحات من شأنها أن تؤثر عليها، او اقتراح بدائل عنها بسبب الفشل وعدم القدرة على توفير الاحتياجات المالية، مؤكدا ان المطلوب موقف فلسطيني رسمي وسياسي لتحريك القضية عربياً وإسلامياً ودولياً ابتداء من مجلس الجامعة العربية (وزراء الخارجية العرب) مروراً بمنظمة التعاون الإسلامي، وصولاً إلى الجمعية العامة ذات المسؤولية الأولى من الناحية الرسمية على "الأونروا" واستمراريتها، وإحباط دور اللوبي المعادي للوكالة في حجب الأموال اللازمة لها، أو محاولة تغيير ولاية قرار الجمعية العامة رقم 302 الذي شكلها وحدد اختصاصها، وميزها عن كل حالة لاجئين أخرى، خاصة ونحن في معترك التحضير لتجديد تمديد ولاية "الأونروا" في كانون الأول المقبل.
وتجمع الفصائل الفلسطينية السياسية والشعبية وعلى مختلف انتماءاتها على رفض الاقتراح والحفاظ على الاونروا ووجودها لانها ليست قضية لاجئين فحسب، وإنما هي قضية سياسية من الدرجة الأولى ولها علاقة مباشرة بجوهر القضية الفلسطينية، وتعتبر إن من يفرط بها، أو يتنازل عنها، أو يبحث عن بديل لها، يرتكب خيانة بحق القضية والشعب الفلسطيني، وينتهك القانون الدولي، وميثاق هيئة الأمم المتحدة، والأهم سوف يقترف جريمة تمهد لمشاريع توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم.
ويقول أمين سر "اللجان الشعبية الفلسطينية" في مخيمات لبنان عبد المنعم عوض لـ"النشرة"، ان رسالة لازاريني موجهة الى مجتمع اللاجئين وهو يرفضها جملة وتفصيلا، وقد تحركت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة التنفيذية رئيس دائرة شؤون اللاجئين الدكتور أحمد أبو هولي باتجاهه وابلغوه موقفا رسميا بذلك، واذا لم يتراجع سترفع شكوى ضدّه الى الامين العام للامم المتحدة لانه يتدخل في غير صلاحياته وولاية "الاونروا" المنوطة فقط بالجمعية العامة للامم المتحدة.
واضاف عوض، ونحن كلجان شعبية في مخيمات لبنان والشتات كما في الداخل، نرفض هذا الخيار ونطالبه بالتراجع عنه فورا، لاننا نشعر انه يحمل "أمر عمليات" بتفكك "الاونروا"، كاشفا عن اعداد مذكرة لتقديمها اليه عبر المدير العام في لبنان كلاوديو كوردوني بعد عطلة عيد الفطر، واذا لم يتراجع سوف نقوم بتحركات احتجاجية منظّمة وموحّدة وصولا الى دعوته التنحي والرحيل، معتبرا أن هذه التصريحات الصادرة عن الموظف الدولي الأول المسؤول عن إدارة الأونروا لا يمكن تبريرها على الإطلاق وتحت أي ظرفٍ كان حتى لو كان بسبب الأزمة المالية، مؤكدا ان الفصائل الفلسطينية لديها اجماع على ان استمرار عمل الأونروا وفقاً لقرار إنشائها خطٌ أحمرٌ لا يمكن العبث فيه، أو اتخاذ قرارات مريبة هدفها الأول والأخير إنفاذ مخططات الاحتلال بإنهاء دور الأونروا كشاهد على نكبة ومأساة شعبنا.
(1)تأسست الاونروا بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة وتشغيل لاجئي فلسطين. وبدأت عملياتها في الأول من أيار عام 1950. وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد لغاية 30 حزيران 2023. وتواجه منذ اعوام عديدة العجز المالي التي تتبرع بعض الدول المانحة وقد وصل في العام 2022 الى مليون دولار اميركي بسبب الضغوط السياسية التي تمارس على الدول لعدم دعمها في محاولة لحلها وتحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين الى الى المفوضية العليا للاجئين أسوة بباقي لاجئي العالم.