فيما الاجتماعات اللُبنانيّة مع صُندوق النّقد والبنك الدّوليّ تسير على قدمٍ وساقٍ... ما عاد خافيًا على أحدٍ الاهتمام الجديّ بالمُساعدة، شرط مُوافقة مجلس النُوّاب على بعض القوانين، وأَهمها قانون مُوازنة 2022 وقانون "الكابيتال كونترول" والتّعديلات المطلوبة على قانون السريّة المصرفيّة، وقانون إِعادة هَيْكلة المصارف والّذي تسعى الحُكومة إِلى إِحالته على مجلس النُوّاب قبل الانتخابات المُقبلة...
وعلَيْه تبدو المسأَلة وسط هذه الشُّروط، وكأَنّ المطلوب حَفْر الصّخر بإبرةٍ!.
موازنة 2022
فمُوازَنة لُبنان 2022، تغيب عنها الإِصلاحات الاقتصاديّة المطلُوبَة. ويُشكّل مشروعها مادّةً خلافيّةً تظهر انعكاساتُها في بنود المُوازنة نفسها، فلا إِصلاحات ماليّة، ولا خطّة اقتصاديّةً للنُّهوض بل تكريسٌ للسّياسات الاقتصاديّة السّابقة، فالمشروع المُعدّ يدلّ بدايةً على زيادة العجز عن العام الماضي بحوالَي 6000 مليار ليرةٍ أَي بحوالي 4 مليارات دولار، إِذ تمّ تقدير النّفقات بـ 49416 مليار في وقتٍ قدّرت الواردات بـ39154 مليار، وبعجزٍ يصل إِلى 10262 مليار، في حين لم تلحظ الموازنة قيمة النّاتج المحليّ المُتوقّع للعام 2022، أَو نسبة الدّين العامّ إِلى النّاتج المحلّي، وهي النّسب الأَساس الّتي كان يُطالب صندوق النّقد الدّوليّ بخفضها بل تمّ التّغاضي أَيضًا عن تسديد سندات "اليورو بوندز"، وضرورة مُكافَحة التهرُّب الضّريبيّ، وتفعيل الجباية، مُكتفيةً بالتّلويح عن حجم الرُّسوم الضّريبيّة، لتأمين إِيرادات المُوازنة والمُقدّرة بنحو 26 أَلف مليار ليرة، منها نحو 23 أَلف مليار ضرائب غير مُباشرة، ستُثقل كاهل المُواطن!.
وِمن أَبرز الإِشكاليات الّتي يُعلّق عليها الاقتصاديّون، تعدُّد أَسعار الصّرف مقابل الدُّولار؛ وغياب أَيّ إِصلاحٍ جديٍّ على مُستوى ترشيد حجم القطاع العامّ أَو مُعالجة مُعضلة الصّناديق والمجالس والمُؤَسّسات غير المُنتِجة، والإِبقاء على النّمط السّائد في المُوازَنات السّابقة بدعم مُؤَسّسة كهرباء لُبنان، الّتي استنزفت 45 % مِن الدّين العامّ ومُحاولة تأمين سلفةٍ لها، تُقدّر بـ5250 مليارًا، في حين كانت في السّابق 1500 مليار.
المادّة 132
وفي ما يتعلّق بالودائع، تتناول المادّة 132 مِن المُوازَنة، التّمييز بَيْن الأَموال الجديدة المودَعة لدى المصارف نقدًا، والتّحويلات الخارجيّة، وتلك المُحوّلة سابقًا، ما يعني أَنّ الودائع والتّحويلات الّتي جرت قبل إِقرار القانون المذكور، لن يتمّ سدادها بالعُملة الأَجنبيّة، وسيتم تحويلها إِلى الليرة، ما يعني تكبُّد المودِعين المَزيد مِن الخسائر، ما اعتبرَه الخُبراء غير دستوريٍّ، وخلافًا لأَحكام القانون!.
الكابيتال كونترول
وإِذ كان "الكابيتال كونترول" المشروط إَنجازُه، إِنّما هو مجموعةٌ مِن التّدابير الّتي تَهدُف إِلى وَضع ضَوابط موقَّتةٍ على رأس المال، فلا بُدَّ مِن أَن يكون إِجراءً مُوقتًا إِذ إِنّه يَتَعارض مع النّظام الليبراليّ الحُرّ، ومع مبدإِ حُريّة حَرَكة الأَموال!. ويمنَع "الكابيتال كونترول" التّحويلات بهدف المُضارَبة Speculative Transactions ، كما ويُساعد في المُحافظة على الاحتياطات بالعُملة الصَّعبة، وعلى ضبط سِعر الصَّرف بفعل خَفض الطَّلب...
ولَيْس "الكابيتال كونترول" أَداةً لِمَنع التَّحويلات بالمُطلَق، كما وأَنّ مِن غير الجائز استخدامه لتكبيل الاقتصاد وإِغلاقه. وفي البلدان الّتي تَعتَمد نظام سعر صرفٍ ثابتٍ، تُصبح السّياسات النّقديّة بِحُكم المُعطّلة. لِذَلك تَعمَدُ هذه البلدان إلى تَطبيق "كابيتال كونترول"، بِهَدَف رَفع حساسيّة الاستثمار، في ظلّ تقلُّبات أَسعار الفائدة لِتُصبِح بمستوىً أَعلى مِن حساسيّة رأس المال، ما يَدفَع نَحو مُشاركةٍ أَوْسع في النُّهوض بالاقتصاد.
ولكنّ الـ "كابيتال كونترول" يُشَكِّل تَطبيقه في لُبنان، مسأَلةً شائِكةً، لا بَل مُعضِلةً شَديدة التَّعقيد، وهو لن يكون في أَيّ حالٍ قادرًا على تَحقيق أَهدافه النَظَريّة والعَمَليّة، إِن لم يأْتِ في إِطار خطّةٍ اقتصاديّةٍ شامِلةٍ. ويعود ذلك إِلى كَوْن بُلدان العالم المأزومة طَبَّقَت الـ "كابيتال كونترول" في السّاعات الأُولى للانهيار، وما يجعل مِن وجود خطّة اقتصاديّة موجبًا لنجاح الـ "كابيتال كونترول"، أنَّ الاقتصاد اللبناني "مُدَولَر"، والدّولار لا يشَكِّل حاجةً للتّعامُلات الخارجيّة فَحَسب، بل وأَيضًا للتّعامُلات الدّاخليّة. كما وأنّ ما يجعل من الضّروريّ أَن يكون الـ "كابيتال كونترول" أَيضًا، جزءًا لا يتجزّأ مِن خطّةٍ اقتصاديّةٍ شاملةٍ فيعود إِلى حتميّة ارتكازه على ميزان المدفوعات، الّذي لا يقتصر دوره على تبيان الصّادرات والواردات. ولا بُدَّ مِن أَن يرتكز أَيّ قانون "كابيتال كونترول"، على "دراسةٍ قطاعيّةٍ" للحساب الجاري في ميزان المدفوعات، بهدف تحديد تأثيره في مختلف القطاعات الإِنتاجيّة.