مع إقتراب موعد الإنتخابات النيابية، المقررة في الخامس عشر من أيار المقبل، يبدو أن رجال الدين، من مختلف الطوائف والمذاهب، قرروا الدخول بقوة على خط المعارك الدائرة، حتى ولو كان ذلك، في معظم الأحيان، بطريقة غير مباشرة، أيّ من خلال دعوة الناخبين إلى الذهاب لخيارات معينة بالتلميح، من دون الدعوة إلى التصويت إلى مرشحين أو لوائح محددة.
في هذا السياق، من الضروري التوقف عند بعض مواقف رجال الدين، بالرغم من أن الحالات نفسها تتكرر عند معظمهم، نظراً إلى أنها كانت واضحة جداً، حيث البداية من تلك التي أطلقها المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، خلال خطبة عيد الفطر، حيث ذهب إلى حد "تحريم" خيارات هي من حق الناخبين، أي الورقة البيضاء أو المقاطعة.
كما أنّه لم يتردد في إطلاق مواقف تصبّ في خانة الدعوة إلى التصويت لصالح قوى الأكثرية الحاليّة، عبر التركيز على مهاجمة من أسماهم بـ"سماسرة واشنطن"، والإعلان عن أننا "سنقول نعم كبيرة جداً للإئتلاف الوطني الذي يتشكل من الثنائي الوطني (أي حزب الله وحركة أمل) وباقي شركائه".
من جانبه، كان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان حاضراً، خلال خطبة عيد الفطر أيضاً، للترويج أو دعم خيارات محدّدة، عبر التحذير من خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات، بالرغم من أن المقاطعة هي خيار لفريق أساسي على الساحة السنية (تيار المستقبل)، وبالتالي موقفه يعتبر تدخلاً في خيارات الناخبين، خصوصاً أن هناك من يشعر بقلق بالغ من خفض نسبة الإقتراع في هذه الساحة.
ولا ينبغي تجاهل الحماسة التي يبديها المفتي دريان نحو اللوائح التي تُصنّف تغييرية، التي تعتبر أيضاً توجيهاً للتصويت لخيارات محدّدة، بغضّ النظر عن الرأي أو الموقف من الخيارات الأخرى، مع العلم أن ما أدلى به تمّ إستغلاله من قبل جهّات سياسية، عبر وضعه في السياق الذي يخدم مصالحها، بينما هو سبق له أن قدّم مواقف داعمة لتيار "المستقبل" في الإنتخابات الماضية.
ما ينطبق على المفتي دريان والمفتي قبلان ينطبق على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي عبّر عن ميل نحو خيارات محدّدة في رسالة الفصح، عندما تحدث عن أن "لبنان يحتاج إلى أكثريّة مؤمنة بخصوصية هذا الوطن والدولة الشرعيّة والمؤسسات الدستوريّة، وبالجيش اللبناني مرجعية وحيدة للسلاح والأمن وبوحدة القرار السياسي والعسكري"، الأمر الذي لا يمكن أن يُفسر إلا على أساس أنه دعوة للناخبين للتصويت ضد اللوائح التي تضم حلفاء لـ"حزب الله".
من حيث المبدأ، لا يمنع قانون الإنتخاب، بشكل مباشر، رجال الدين من التعبير عن مواقفهم الإنتخابية، لكن روحيّة القانون تقود إلى هذه النتيجة، بحسب ما تؤكّد مصادر قانونية لـ"النشرة"، نظراً إلى أن الفقرة الأولى من المادة 77 تنصّ على عدم جواز إستخدام دور العبادة، لإقامة المهرجانات وعقد الاجتماعات واللقاءات الإنتخابيّة أو القيام بالدعاية الإنتخابيّة، وبالتالي من الطبيعي ألاّ يكون من حقّ رجال الدين إستخدامها للترويج لخيارات إنتخابية.
بالإضافة إلى ذلك، تنص الفقرة الثانية من المادة نفسها على أنه لا يجوز لموظفي الدولة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات، ومن هم في حكمهم، الترويج الإنتخابي لمصلحة مرشح أو لائحة، الأمر الذي توضح المصادر نفسها أنّ الهدف منه منع هؤلاء من إستغلال نفوذهم، وهو من المفترض أن ينطبق على رجال الدين، نظراً إلى أن هؤلاء لديهم النفوذ المعنوي حيث من الممكن أن يستخدم، مع العلم أن بعضهم يعتبر، من الناحية الرسميّة، من موظفي الدولة، وبالتالي هذه الفقرة تنطبق عليهم بشكل مباشر.
في المحصّلة، كمواطن، من حقّ رجل الدين أن يكون له أيّ خيار سياسي، لكن كرمز أو مسؤول عن مذهب أو طائفة لا يمكن له أن يوجّه الناخب، بحكم السلطة المعنويّة التي لديه، نحو خيارات معينة في إستحقاق يصفه الجميع بـ"المصيري"، خصوصاً إذا ما كان يستغل المنابر الدينيّة لتحقيق هذه الغاية، رغم أنها ليست المرّة الأولى التي تحصل فيها مثل هذه التدخلات في الإستحقاقات الإنتخابيّة.