بعدما سمعنا كثيرا ومن جهات مسؤولة في الحكومة عن إنشاء صندوق سيادي توضع فيه ممتلكات الدولة وتدار من قبل هيئة مستقلّة يعاد من خلاله تكوين الودائع. فوجئنا بما تسرب من خطة التعافي التي لا تأتي على ذكره، لا بل تتنصل الدولة من مسؤوليّتها عن الخسائر وتحاول رميها على المصارف والمودعين.
لماذا؟ هل بإيعاز من صندوق النقد الدولي كما قالت مصادر مطلعة، او بسبب صعوبات تقنية وتشريعية معينة؟.
تشير مصادر قريبة من صندوق النقد عبر "النشرة" أنّه لا يحبّذ طرح انشاء صندوق سيادي باعتبار أن من غير العادل أن تتحمّل الأجيال المقبلة هذا الدين، خصوصا أنه نتج عن فساد، وينقل المصدر "عدم ثقته على الإطلاق بالطبقة السياسية لإدارة أصول الدولة وأنه يرغب بالتخلص من الدين العام، ما يعني استبعاد حل الإستفادة من الأصول مع البقاء فقط على خيار المصارف والمسّ بالودائع.
من جهته يشير عميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة البروفسور جورج نعمه الى عوائق تقنية وتشريعيّة حيال إنشاء هذا الصندوق، لكنه يبدأ بشرح ما هو سبب طرح أو فرض ما يسمى بالـ"بيل إن" والـ"هيركات" على الودائع الكبيرة: "لأن هناك فجوة مالية كبيرة تقدر بـ90 الف مليار ليرة. واللافت أننا حين نطّلع على ميزانية مصرف لبنان نجد فيها ضمن خانة مسمّاة "موجودات أخرى" 95 الف مليار! مع العلم أن هذا الرقم لا يجب ان يوضع تحت هذه الخانة، لأنها ليست موجودات نملكها بل هي خسارة ودين...
صندوق النقد يشرح للمفاوضين اللبنانيين ان هذه الخسارة لا يمكن أن تُقدّم بيانات تتضمن عشرات مليارات الدولارات ليطلب المركزي المساعدة، لذلك وجب شطب هذه الخسارة من موجودات المصرف المذكور الموضوعة ضمن اطار آخر.
اضافة الى وجود "صفر" بقروض للقطاع العام وكأنّ المركزي لم يُقرض شيئا للدولة! فإذا شطبت يجب شطب القيمة ذاتها من المطلوبات الّتي تأتي من ودائع القطاع المالي وهي شهادات ايداع المصارف، ممّا يعني أن الغاء الاثنين: المطلوبات والموجودات وكأنّه جرى هيركات على الودائع.
ويشكّك د. نعمة أن يكون ما يُروى كأنّه مطلب صندوق النقد الّذي يريد ميزانيات حقيقية غير منتفخة ولا تحتوي اية عملية تجميل للوقائع. فالموضوع ليس محاسبي بل له تداعيات مصرفيّة واقتصادية يجب أن نسأل اذا اعتمدنا طريقة الشطب المذكورة.
ويتساءل نعمة كيف نعيد لبنان الى الأسواق، واي بنك سيدخل الى البلد اذا قمنا بهكذا عمليّة ضخمة؟ وأي مودع سيستعيد ثقته؟ هذا مستحيل إقتصاديا ومصرفيا و يعتبر دمارا للقطاع، مع تدمير القدرة حتى على إعادة النهوض من جديد. لكن محاسبيا وبالتعاطي مع صندوق النقد نعرف كيف يعمل وليس لديه أيّة أسباب تخفيفية لأحد. فعلى سبيل المثال يعتبر الصندوق أنّ ما قام به المسؤولون في لبنان "تخبيصات" وهي خسارة يجب أن يتعاملوا معها على أنها كذلك. وهذه هي طريقة عمله الصندوق ومعاييره.
ويخلص عميد كلية ادارة الأعمال في جامعة الحكمة الى أن المطلوب صندوق سيادي، يجب أن يكون في مصرف لبنان وضمن ميزانيته، لكن هذا الأمر يواجه عقبات قانونية كبيرة لأن قانون النقد والتسليف يمنع المركزي من امتلاك شركات ومؤسسات وغيرها (علما أنه يوجد أصلا كازينو لبنان والميدل أيست)، فكيفيّة ادخالها قد يكون بتشكيل هيئة خاصة لتشغيل المرافق العامة والعقارات، على أن يعطي الإيرادات من الأرباح على شكل سندات للمودعين يُقال انها ستكون "بربتويل بوندز" اي سندات ابدية لا أحد يشتريها مما يعني أن الوديعة "طارت". لكن بالاسم يكون المودع يحمل سندًا من الدولة وحين تربح الاخيرة من الصندوق السيادي تدفع له من قيمة السندات وتمنحه فوائد عليها.
ويشدد د. نعمة أن هذا مشروع كبير ومهم جدا لكن يلزمه تفاوض ودراسة جدوى لنعرف ما هي قيمته وما هي احتمالات المردود وكم سنجني منه كي نعرف كم سنعوض على الناس! ويلزمه مقاربة قانونية لمعرفة كيفيّة معالجة خسائر مصرف لبنان من خلاله، وهذا هو الأساس في التفاوض مع صندوق النقد. إذا كان الجواب سلبا ولا يستحق فلماذا كل هذه الاجراءات لضرب القطاع المصرفي، بالحصول على 700 مليون دولار سنويا من الصندوق بسقف لا يتعدى 3 مليار دولار؟!. وأكّد نعمة أن المفاوضات ليست خضوعا، إنّما يجب ان ندافع عن وجهة نظرنا بشرط ان تكون واضحة ولدينا خطة اقتصادية علميّة متكاملة تقنع الصندوق وليس أفكارا من هنا وهناك!.