مع دخول "الصمت الانتخابي"، في مرحلته الأولى، تزامنًا مع انتخابات المغتربين بـ"فرعيها" العربي والغربي، حيّز التنفيذ، صمتت "المَدافِع الحزبيّة" إن جاز التعبير، بعدما وصلت إلى "ذروتها" في الأيام الأخيرة، مستقطبة كلّ أنواع "الأسلحة" التي يحرّمها القانون الانتخابي، من القدح والذم إلى التخوين والتكفير، مرورًا بالتحقير وتبادل الاتهامات.
وقد يكون السجال الذي دار بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" قبيل بدء "الصمت الانتخابي" الدليل "الأسطع" على "الحماوة" التي وصلت إليها الأجواء الانتخابية في أيامها الأخيرة، وقد بدأت مع الشكوى التي تقدّم بها الوزير السابق جبران باسيل بحق كل من "القوات" وحزب "الكتائب"، على خلفية "إنفاقهما الانتخابي" الذي "تجاوز" السقف المسموح به قانونًا.
جاء الردّ سريعًا من جانب "القوات اللبنانية" التي شنّت هجومًا "لاذعًا" على باسيل، واصفة إياه بـ"سارق الجمهورية وناهب الشعب" الذي " بذمته أقلّه 40 مليار دولار عجز كهرباء على مدى عشر سنوات، وموضوع اسمه على لائحة عقوبات دولية"، و"فاته الكثير من الأخلاق" بعدما "تخطى كل الحدود الأخلاقية في كل المراكز التي تبوّأها".
وردًا على الرد، اختار "العونيون" أسلوب الدفاع عبر الهجوم، فذهبوا لوصف رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بنعوت من قبيل " صاحب التاريخ الأسود قتلاً وغدرًا، برًا وبحرًا، الميليشيوي الدائم ويهوذا العصر"، بل هذا "الذي تدركه جرائم قتل الرؤساء والزعماء وأولادهم، وتدركه نفايات شننعير ومياه الحوض الخامس، يرمي التيار وقيادته بما هو فيه من الموبقات".
وإذا كان "الصمت الانتخابي" جاء ليسعف الطرفين و"ينقذ" معهما اللبنانيين من شرّ خطاب "كراهية" من هذا النوع، فإنّ أسئلة كثيرة تُطرَح عن سبب وصول الأمور إلى هذا الحدّ بين الطرفين، اللذين يبدو واضحًا أنّهما توافقا على رمي ما سُمّيت بـ"المصالحة التاريخية" بينهما في سلّة المهملات، ليستعيدا "لغة الحرب" على أبواب انتخابات، يبدو أنّها ألغت مفاعيل "تفاهم" قيل يومًا ما إنّه كرّس الانتقال من مرحلة "العداوة" إلى "الخلاف" بالحدّ الأدنى.
يقول العارفون إنّ المستوى الذي وصل إليه الخطاب بين "التيار" و"القوات" في الأيام الأخيرة، إن دلّ على شيء، فعلى أنّ المعركة بينهما هي فعلاً "عالمنخار"، ولو حاول كلٌ منهما إظهار عدم اكتراثه بالآخر، أو أوحى أنّه "مطمئنّ" للنتائج التي ستفرزها الانتخابات، وأنّ الآخر لا يشكّل أيّ "تهديد" له، بدليل أنّ "جبهة التيار-الكتائب" مثلاً لم تشهد "الجنون" نفسه، رغم أنّ "شكوى" باسيل "ساوت" بين خصميه في الأساس.
فبالنسبة إلى "التيار"، قد لا يكون خافيًا على أحد أنّ الخشية من تراجع "حصّة" تكتل "لبنان القوي" في البرلمان الذي ستفرزه الانتخابات يبدو "هامشيًا" أمام الخوف من أن تنتزع "القوات" تحديدًا "الأكثرية المسيحيّة" منه، لأنّ هذا الأمر، إن حصل، سيشكّل "هزيمة كبرى" له، وما دخول "حزب الله" على خطّ المواجهة، مع إعلان السيد حسن نصر الله أنّ الحزب سيخوض "معارك الحلفاء" سوى الدليل الواضح الذي لا يحتمل اللبس على ذلك.
ويريد "التيار" بشكل أكثر تحديدًا، أن يحتفظ بموقعه رئيسًا للكتلة المسيحية الأكبر، نظرًا لـ"المزايا" التي يمنحه إياها، خصوصًا في ضوء الاستحقاقات والتحديات الكبرى المنتظرة بعد الانتخابات، وعلى رأسها المعركة "الرئاسية" التي لم يعد خافيًا على أحد أنّها فُتِحت "قبل الأوان"، علمًا أنّ باسيل الذي قد "يذعن" لفكرة أنّ التوافق عليه "صعب"، يريد أن يكرّس نفسه "اللاعب الأول" في الاستحقاق، بمعزل عن "هوية" الرئيس المقبل.
في المقابل، فإنّ الواضح أنّ "القوات" لا تسعى في هذه الانتخابات لشيء بمقدار مسعاها إلى "إٍسقاط" جبران باسيل شخصيًا، وذلك بعدما باتت المعركة معه "قصّة حياة أو موت" بالنسبة إلى كثيرين، بعدما أطاح بـ"تفاهم معراب" بكلّ مكتسباته، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّها أخطأت في "التكتيك" في أكثر من مكان، بإصرارها على اللعب "فرديًا"، في أدخلها في "معارك" مع رفاق وخصوم في أكثر من مكان، قد لا يستفيد منها سوى "التيار".
لكن، هل تستحقّ مثل هذه "المعركة"، ولو كانت "عالمنخار"، كما توصَف في الأدبيّات الانتخابية، "الانقلاب" على المصالحات والتفاهمات، ولا سيما بعدما تعهّد "القواتيون" و"العونيون" بطيّ صفحة الحرب وتكريس المصالحة، رغم سقوط التحالف بينهما، بعد الخلاف على "الحصص"، باعتبار أنّ ما تحقق على هذا الصعيد "إنجاز وطني" لا يجدر أن يُشطَب في "دهاليز" السياسة التي لا تنتهي؟
هنا، لا بدّ من مفارقة تسجَّل، تكمن في أنّ كلّ فريق يسارع برمي اللائمة على الطرف الآخر، مبرّئًا نفسه من "التهمة" بالمُطلَق، فـ"القواتيون" يقولون إنّ "العونيين" هم الذين "لعبوا بالنار" حين اشتكوا من نفقات "القوات" من دون وجه حقّ، محاولين تصويرها وكأنّها تخالف القانون، رغم أنّ العكس هو الصحيح، حيث يتباهى باسيل بما يقول إنّها "صفر كلفة" في حين أنّ مهرجاناته تُنقل على هواء بعض المحطات، مع إشعار بأنّها "إعلان مدفوع".
في المقابل، يصرّ "العونيّون" على أنّ "القوات" هي التي فرضت السجال الأخير، بعدما وجدت نفسها في "ورطة انتخابية" ربما، فلم تجد سوى "الشعبوية" سبيلاً لمحاولة إقناع الناس بالتصويت لها، حيث استغلّت إجراء "قانونيًا" لجأ إليه "التيار" لتردّ عليه على طريقة "شريعة الغاب"، ربما لأنّها أدركت أنّ "حصّتها" النيابية لن تصل في أحسن الأحوال إلى المستوى الذي بلغته عام 2018، بعدما كانت تتباهى بـ"تقدّم نوعي محتّم" أضحى "حلمًا مستحيلاً".
هكذا، يبدو أنّ "الصمت الانتخابي" حقّق ما عجزت عنه السياسة، ففرض "سكوتًا من ذهب" على قوى ما عادت تجد سوى "الشعبوية" سبيلاً لمخاطبة الرأي العام، لكنه "صمت" لن يصمد طويلاً، ليس فقط لأنّ الكلام "المباح" سيجد "مساحته" من جديد الأسبوع المقبل، ولكن لأنّ مرحلة ما بعد الانتخابات تقترب أكثر فأكثر، ليتّضح أيضًا أنّ ما ينتظر اللبنانيين فيها سيكون "قاسيًا" على كلّ المستويات!.