بالنسبة إلى وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، فإنّ الانتخابات التي شهدتها دول الاغتراب والانتشار بين يومي الجمعة والأحد شكّلت "مهرجانًا لبنانيًا في الخارج"، باعتبار أنّ الحكومة "وفت بما وعدت به"، فكانت النتيجة "أفضل من الظروف التي نعيشها"، وسط مؤشّرات "جيّدة جدًا"، من "إقبال كثيف إلى نسب اقتراع مرتفعة وغياب للمقاطعة".
وثمّة من ذهب أبعد من مولوي، فرفع ما عدّه الأخير "مهرجانًا" إلى "عرس" للديمقراطية، في عبارة تكرّرت على لسان أكثر من مسؤول في وزارة الخارجية خصوصًا، على هامش يومي الانتخاب الطويلَين، وهو ما عزاه كثيرون إلى أنّ حصول الانتخابات بحدّ ذاته "إنجاز"، خصوصًا بعد كمّ الإشاعات التي سبقت موعدها حول "استحالة" تنفيذها.
قد يكون ذلك مفهومًا، خصوصًا أنّ وزارة الخارجية أبلت، بشهادة هيئات المجتمع المدني والمراقبة المحلية والدولية، بلاءً حسنًا في تنظيم العملية الانتخابية وإدارتها، من خلال التنسيق مع مختلف البعثات في السفارات والقنصليات في الخارج، وضمان حسن سير عمليات الاقتراع، وصولاً إلى حد العمل على معالجة الشوائب التي يتمّ توثيقها بشكل مباشر.
لكن، هل يكفي كلّ ذلك لاعتبار ما شهدته دول الاغتراب والانتشار "عرسًا للديمقراطية" بالفعل؟ وهل يمكن الحديث عن "مهرجان لبناني في الخارج" عزّزته "الحماسة" التي نقلتها عدسات الكاميرات في العديد من العواصم؟ ولماذا اعتبر البعض في المقابل أنّ النتائج لم تكن على قدر التوقعات، بل "مخيّبة"، بعد إفراط في "الرهانات" المُبالَغ بها؟!.
في البداية، لا شكّ أنّ المشهد الانتخابي الذي سُجّل يومي الجمعة والأحد في الدول العربية والغربية ينطوي على "إيجابية" كبرى، فهو في مكانٍ ما أثبت "جدية" السلطات في إنجاز الاستحقاق الانتخابي، رغم كلّ الظروف والإشاعات، فضلاً عن كونه عكس "حماسة" نسبيّة لدى الكثير من المغتربين في التعبير عن رأيهم من الأزمة التي يمرّ بها بلدهم، في ظلّ مناخ عام يوحي بـ"اغترابهم" عن هذا الواقع، وعدم اكتراثهم بالمُطلَق له.
ولا شكّ أيضًا أنّ وزارة الخارجية والمغتربين نجحت إلى حدّ بعيد في "الامتحان"، رغم كلّ الحملات السياسية، التي وصلت حدّ طلب سحب الثقة من الوزير عبد الله بو حبيب، على خلفية بعض الشكاوى من قبيل توزيع الناخبين على مراكز اقتراع بعيدة عن أماكن سكنهم، حيث سُجّلت إدارة جيدة للاستحقاق الانتخابي من جانب الوزارة، وتنسيق "وثيق" مع البعثات في الخارج، وهيئات المراقبة لمعالجة العوائق والإشكالات اللوجستية والتقنية.
ولعلّ نجاح العملية الانتخابية يتمثّل أيضًا في عدم حصول أيّ شوائب "فاضحة" أو "فاقعة" على خطها، بدليل أنّ كلّ المخالفات التي وثّقتها الهيئات المعنيّة بالمراقبة، وعلى رأسها الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي)، اقتصرت على بعض الأمور التي قد تُعَدّ "بسيطة"، ولو أنّ تكرارها مع كلّ استحقاق انتخابي ليس "مؤشّرًا صحيًا"، على غرار الدعاية الانتخابية الكثيفة في داخل مراكز الاقتراع ومحيطها، خلافًا لنصّ قانون الانتخاب.
ومع ذلك، ثمّة بعض الانتهاكات التي يجدر التوقف عندها، على غرار تصوير بعض أوراق الاقتراع الرسمية خلف المعزل، فضلاً عن تسجيل حالات مرافقة لناخبين إلى خلف العازل، وهو ما لا يسمح به القانون، علمًا أنّ بعض العوازل كان موضوعة بشكل مكشوف يمكّن المندوبين كما هيئة القلم من الاطّلاع على خيارات الناخبين، وكلّ ما سبق عوامل من شأنها أن تؤثر على سرية الاقتراع المفترضة بموجب قانون الانتخاب.
لكنّ كلّ ذلك لا يكفي للحديث عن "مهرجان" أو "عرس" للديمقراطية، بكلّ ما للكلمة من معنى، برأي كثيرين، أولاً لكون الانتهاكات والمخالفات التي من شأنها "التشويش" على ديمقراطية العملية الانتخابية، لا تقتصر على عمليات الاقتراع، وإنما هي "سابقة" لها، كما قال رئيس الجمهورية خلال تفقده مقر وزارة الخارجية، و"لاحقة" لها أيضًا في حالة انتخابات المغتربين، مع "الغموض" الذي يحيط بعملية نقل الصناديق إلى لبنان لفتحها في 15 أيار.
وثمّة من يتحدّث في هذا السياق عن علامات استفهام حقيقية تُطرَح حول ديمقراطية العملية الانتخابية على وقع ما شهدته الحملات الانتخابية السابقة لها من "تجاوزات" لا تعَد ولا تحصى، سواء على صعيد "الإنفاق الانتخابي" الذي سجّل مستويات غير مسبوقة مع أكثر من حملة، بما يفوق السقف المسموح به قانونًا، أو على صعيد "الزبائنية السياسة" التي قد تكون مشكلتها الأكبر أنّ القانون "يشرّع" بعض أشكالها، بما يؤثر أساسًا على تكافؤ الفرص بين الناخبين.
وقد تكون "الإشكالات المتنقلة" التي شهدتها بعض المناطق اللبنانية في الأسابيع الماضية دليلاً آخر على غياب "الديمقراطية"، حيث تعرّض مرشّحون لضغوط وتهديدات أمنية، ومُنِع مرشحون ولوائح من الدخول إلى بعض المناطق، كما حصل على سبيل المثال مع أعضاء لائحة "معًا للتغيير" في دائرة الجنوب الثانية، وتكرّر مع مرشحين آخرين، بينهم حتى رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل الذي تعرّض لمضايقات في عكار.
يبقى أنّ الحديث عن "عرس ومهرجان" على خلفية ما قيل إنّها "نسب اقتراع مرتفعة" يبقى بدوره محلّ شكوك متصاعدة، خصوصًا أنّ نسب الاقتراع جاءت برأي كثيرين "أقلّ من المتوقع"، فنسبة الـ60 في المئة ليست من ضمن لوائح تضمّ جميع المغتربين، وقد تشمل بالتالي من لا يكترث بالانتخابات، أو من مات مثلاً ولم يُسحَب اسمه من اللوائح، بل تضمّ أشخاصًا اختاروا قبل فترة وجيزة أن يسجّلوا أسماءهم للاقتراع، ولكنّ بعضهم لم يفعل ذلك.
باختصار، قد تكون انتخابات المغتربين مرّت بسلام وسلاسة ومرونة، تُحسَب للجهات المنظّمة، لكنّ الحديث عن "عرس للديمقراطية" قد لا يكون مُبالغًا به فحسب، بالنظر إلى الأجواء المرافقة للاستحقاق الانتخابي، ولكن أيضًا "سابقًا لأوانه"، باعتبار أنّ الأسبوع الفاصل عن "اليوم الموعود" في داخل لبنان، لن يكون برأي كثيرين كغيره، ولا سيما في ظل التوقعات بارتفاع الحماوة، ومعها التشنّج، إلى أعلى مستوياته بالمُطلَق!.