لا تزال رسالة المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فليب لازاريني إلى مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في 23 نيسان الماضي، لجهة دراسة خيار قيام منظمات أممية بتقديم خدمات نيابة عن "الاونروا"... ترخي بظلال من الاستياء والرفض في الاوساط الفلسطينية الرسمية والسياسية والشعبية على اعتبارها خطوة خطيرة على طريق تفكيك الوكالة وانهاء عملها في اطار خطة متدحرجة لشطب القضية الفلسطينية وحقّ العودة بعد فشل صفقة "القرن الاميركية" ابان عهد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب.
وابلغت مصادر فلسطينية "النشرة" ان الخطير في رسالة المفوض العام، انه لم يتراجع عنها بل حاول تبريرها وتوضيحها تحت ذريعة العجز المالي، فيما قرأتها القوى الفلسطينية بانه تدخل غير مبرر في ولاية "الاونروا" وخارج صلاحياته وحرف الانظار عن مهمته الاساسية في البحث عن تمويل مالي لسدّ العجز، لا دقّ ناقوس الخطر من الافلاس والاقفال وعدم الاستمرار بتقديم الخدمات او دفع رواتب الموظفين، لان ذلك من مسؤوليته والمجتمع الدولي والامم المتحدة.
واشارت المصادر، ان الحلّ يكمن في تخصيص موازنة "الاونروا" من الامم المتحدة بشكل دائم وليس الاعتماد على تبرّعات الدول المانحة وموقفها المزاجي او السياسي او الارتباطي من القضية الفلسطينية، او في توزيع مهمة تقديم الخدمات الى المنظمات والمؤسسات الامميّة، لانّ ذلك يفقد القضية الفلسطينية امتيازها وخصوصيتها، بأنّها قضيّة سياسية وليست خدماتيّة، فيما المطلوب تطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة التي صدرت بخصوصها.
وابلغت المصادر، ان عدم بدء تحركات احتجاجية في لبنان، مردّه الى حماوة اجواء الانتخابات النيابية التي تفرض هدوءا في المخيّمات وخارجها حتى تمرير قطوعها، وان القوى السياسية واللجان الشعبية بصدد القيام بتحركات رافضة لهذا الموقف، وقد مهدت اللجان الشعبية في لبنان بتوجيه مذكرة إلى لازاريني، تدعوه الى سحب رسالته وتصحيح الخطأ الذي يشكِّل خرقًا وتهديدا لا سيما لحقِّ العودة الذي ثبّته وضمنه القرار 194 وأكَّد عليه القرار 302".
في هذا السياق تنشر "النشرة" نص مذكرة اللجان الشعبية الموقعة من امين سرها في لبنان المهندس عبد المنعم عوض وجاء فيها "طالعنا المفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يوم 23/4/2022 برسالة تضمَّنت ما نصُّه: "... يتمثّل أحد الخيارات التي يجري استكشافها حاليًّا في زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة الأوسع إلى أقصى حد ويشغل مكانة مركزية في هذا الخيار أن يكون من الممكن تقديم الخدمات نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها...".
إن هذا النص الذي احتوت عليه الرسالة، جاء ليشكِّل خرقًا وتهديدًا، لا سيما لحقِّ العودة الذي ثبّته وضمنه القرار 194، وأكَّد عليه القرار 302، وذلك على مستويين:
على المستوى القانوني: إن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها رقم 302 في 8 كانون الأول 1949، أنشأت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وحدَّدت صلاحياتها ومهامها، كما أُسندت متابعة تنفيذ هذه الصلاحيات والمهام إلى مدير وكالة الأمم المتحدة المعيّن من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ، بوصفه موظفًا تنفيذيًّا مسؤولًا أمام الجمعية العامة عن سير البرنامج(الفقرة 9).
بناءً عليه، إن القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو الذي حدَّد صلاحيات الأونروا، والمهام التي أُنيطت بها حصرًا، فالجمعية العامة هي صاحبة السلطة والاختصاص باختيار الإدارة أو المنظمة التي تتولَّى هذه المهام أو تلك (المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة). وبالتالي ليست من صلاحية المفوض العام ولا من اختصاصه التنازل عن بعض أو كلّ صلاحيات الأونروا، إلى الإدارات أو الهيئات الأخرى وتحت أيٍّ من المسميات (شراكات...) أو التبريرات، فالمفوض هو فقط موظّفٌ تنفيذيٌّ مسؤولٌ أمام الجمعية العامة عن تنفيذه برامج الوكالة(الفقرة 9).
كذلك لا يمكن إجراء أي تعديل أو تبديل لمهام الأونروا وصلاحياتها (مثل تحويلها إلى هيئة موجِّهة أو مشرفة على الشراكات) إلا بناءً على قرار يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقًا لمبدأ تسلسل القواعد القانونية، وعليه ليس من مهام المفوض العام ولا من اختصاصه، تعديل أو تعطيل القرار 302، إنما الجمعية العامة للأمم المتحدة هي صاحبة الاختصاص والحق بذلك.
أما على المستوى السياسي: فإن المساس بصلاحيات الأونروا، تعديلًا أو تبديلًا أو تحويرًا، يُعتبر مساسًا بكينونتها واستمراريتها وبقائها، كشاهد على جريمة اقتلاع شعب بأسره من وطنه وأرضه وبحقِّه في العودة إليها، وخصوصًا عندما ربط القرار 302 واشترط قرار إنشاء الأونروا واستمراريتها، بتنفيذ قرار العودة، وهو القرار 194 لذلك نلحظ أن هناك محاولات حثيثة وغير بريئة تهدف إلى إنهاء الأونروا. وكان أبرزها ما أُطلق عليه تسمية إطار التعاون بين وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والولايات المتحدة الأميركية، وإن هذه الرسالة لا تخرج عن هذا السياق.
وعليه نرى ضرورة الاتخاذ الفوري لمجموعةٍ من الإجراءات والتدابير:
أولًا: على المفوض العام أن يتراجع عن رسالته هذه، أيًّا كانت تبريراته، لأنها مرفوضةٌ شكلًا وموضوعًا، وفقًا لما أوضحنا.
ثانيًا: على المفوض العام أن يتقيّد ويحترم نصوص القرار 302 وقواعده، والالتزام بروح هذا القرار وغايته، إذ يجب عليه أن يكون أمينًا وحارسًا له، ومتصدِّيًا لأي محاولة التفاف عليه، وهو المسؤول عن ذلك أمام الجمعية العامة(الفقرة 9).
ثالثًا: على المفوض العام أن يتوقّف عن قبول أي هبات أو تبرّعات مشروطة، تمسُّ بجوهر القرار 302 وروحه، كما حصل في إطار التعاون المشروط، بين وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والولايات المتحدة الأميركية.
رابعًا: على المفوض العام أن يبحث عن مصادر لتمويل الأونروا، من شأنها أن تعزِّز دورها، وتطلق صلاحياتها ومهامها، في ضوء المسارات القانونية التي رسمها القرار 302، بوصفه المفوض والحارس المؤتمن عليه، لا المجهض والمعطِّل له.