قبل يومين من موعد فتح صناديق الإقتراع، لا يزال السؤال الذي يطرح نفسه على المشهد الإنتخابي يتعلق بالواقع على الساحة السنية، نظراً إلى أن المواجهة داخلها هي الأكثر حماوة في الوقت الراهن، بالرغم من المنافسة التي تخوضها مع الساحة المسيحيّة، التي تُخاض فيها معركة الكتلة الأكبر بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية".
من حيث المبدأ، تجمع مختلف المعطيات على أن الساحة المسيحيّة لن تشهد إنقلاباً كبيراً على مستوى النتائج، نظراً إلى أنّ المتوقع هو أن تفرز صناديق الإقتراع تقارباً في الحضور بين "القوّات" و"الوطني الحر"، بينما على الساحة السنّية المسألة أكبر من ذلك بكثير، خصوصاً بعد الدخول السعودي الواضح على خط المعركة.
في هذا السياق، تشير مصادر سيّاسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بات واضحا وجود رغبة في وضع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في وجه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بحيث يتبنى الأوّل العمل على دفع الناخبين السنة للمشاركة في الإنتخابات بكثافة، بينما لا يزال الثاني، رغم أنّه لم يعلن عن ذلك رسمياً، يعمل على رفع نسبة المقاطعة في هذه الساحة، بهدف تأكيد زعامته.
من وجهة نظر هذه المصادر، في حال لم تنجح الضغوط أو الإتصالات في دفع رئيس الحكومة السابق إلى تبديل وجهة نظره، أيّ الدعوة إلى المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي، فإنّه على وقع النتائج التي ستفرزها صناديق الإقتراع سيتم تحديد المقرر الأول على هذه الساحة، نظراً إلى أن نجاح خيار المقاطعة سيعيد تكريس الحريري زعيماً أساسياً لا يمكن تجاوزه، بينما فشل هذا الخيار يعني نجاح معركة "الكسر" التي تُخاض ضده.
وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ الجميع بات يدرك أن مختلف القوى والشخصيات السياسية لم تنجح في منافسة رئيس الحكومة السابق على الزعامة، الأمر الذي دفع من يسعى إلى ذلك، خارجياً ومحلياً، للإستعانة بمفتي الجمهورية ليتصدر الواجهة، وهو ما يمكن التأكيد عليه من خلال اللقاء الذي عقد في دار الفتوى، بين دريان وسفراء الدول الخليجية في لبنان، بالإضافة إلى البيانات التي صدرت عن بعض إتحادات العائلات والعشائر.
في قراءة مصادر مطلعة على الواقع السني، لا يمكن أن يُفسر هذا اللقاء إلا على أساس أنه رسالة دعم من الدول الخليجية لخيار مفتي الجمهورية، أيّ الدعوة للمشاركة في الإستحقاق الإنتخابي، بينما تلك البيانات تصنّف على أساس أنها سحب ورقة التمثيل من يد الحريري، لكن السؤال الأساسي يبقى حول إمكانيّة أن ينجح ذلك بدفع الناخبين للإقتراع، خصوصاً إذا ما استمر موقف الحريري على حاله.
بالنسبة إلى هذه المصادر، على ضوء نتائج الإنتخابات في الساحة السنية من المفترض أن تحسم الكثير من الأمور، سواء على مستوى الطائفة أو على المستوى الوطني، نظراً إلى أن الواقع الراهن يوحي بأنّ تمثيلها سيكون موضع شرذمة داخل المجلس النّيابي، بالإضافة إلى تعرّض الحاضنة الإقليميّة الأساسيّة إلى ضربة معنويّة كبيرة، الأمر الذي من المرجح أن يقود إلى إضعاف دورها على الساحة السّياسية في لحظة مصيريّة من تاريخ البلاد، في ظلّ المعلومات عن التوجّه إلى عقد مؤتمر دولي في المرحلة المقبلة.
في المحصلة، لدى المصادر نفسها قناعة بأنّ الطائفة السّنية بشكل عام ستكون الخاسر الأكبر من هذا الصراع، لا سيّما أنّ الأفرقاء المشاركين فيه لم يقدّموا أيّ رؤية حول ما يجب أن يحصل في اليوم التالي، حتى بات من الممكن وصف ما يحصل بأنّه صراع بين من يريد إنهاء الحريري ومن يريد أن يثبت زعامته في سياق الدفاع عن النفس.