يرتبط الوضع الأمني ارتباطاً وثيقاً بالوضع السياسي والإقتصادي، فالأمن سلعة أساسية، لذلك كلما كان يسوء الوضع الإقتصادي في لبنان، كلما كان الوضع الأمني يصبح أسوأ، ويُترجم ذلك من خلال جرائم القتل والسرقة.
عاش لبنان منذ انهيار الوضع الإقتصادي، ولا يزال، وضعاً أمنياً معقداً للغاية، فالدولة التي كانت شبه غائبة طيلة الفترات السابقة، أصبحت أكثر ضعفاً مؤخّراً جرّاء سقوط الليرة وانهيار قيمة الرواتب، وغلاء أسعار المحروقات التي صعّبت من مهمة الدوريّات الأمنيّة، لذلك كانت أعداد السرقات والجرائم ترتفع مع مرور الوقت.
بحسب "الدوليّة للمعلومات"، فإنّ الفترة الزمنيّة خلال الأشهر الـ4 الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي وكذلك مقارنة بين شهري نيسان 2021-2022، شهدت ارتفاعاً بجرائم السرقة والقتل، وتراجعاً طفيفاً في جرائم سرقة السيارات، بنسبة طفيفة بلغت 0.08 بالمئة، أما التراجع الكبير والذي بلغ 42.7 بالمئة، فكان بين شهري نيسان 2021-2022، أما عدد القتلى فقد ارتفع خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2022 بنسبة 9 بالمئة خلال الفترة ذاتها من العام 2021، بينما تراجعت بنسبة 6.7 بالمئة بين شهري نيسان 2021-2022.
البارز في جرائم القتل في لبنان أنّها نادراً ما تكون لهدف السرقة، إذ نشاهد جرائم أسريّة كثيرة في أيامنا هذه، ولعلّ الجرائم التي وقعت منذ أيام تشكّل دليلاً إضافياً على هذا الواقع الأسود الذي وصلنا إليه، لذلك يمكن القول أنها لا تتعلق كالسرقة بالوضع الإقتصادي الصعب بشكل مباشر، بل إما بالثقافات السائدة لدى البعض وبالعنف ضدّ المرأة على سبيل المثال، وإمّا بانعدام الأخلاقيّات الشخصيّة، وعدم الخوف من سلطة القانون لضعفها في لبنان.
أما جرائم السرقة، فإنّ النظر الى نوعها يدلّ بشكل مباشر للعلاقة بين السرقات والوضع الإقتصادي الصعب، إذ وصلت السرقات في الأشهر الماضية لتطال دواليب السيارات بدل السيارات، ونوافذ الحديد في مداخل الأبنية، بطاريات السيارات، الأغطية البلاستيكية لخزانات المياه، كما استمرت سرقة الدراجات النارية وأصبحت أكثر وقاحة كأن يتمّ توقيف صاحبها في الشارع وتهديده وضربه لسرقتها، وهذا يدلّ على أمرين: الأول فقدان الأمن والأمان بالشوارع، والثاني يأس السارق الذي يجعله يقوم بعمل كهذا في وضح النهار، مع تحمّل كل المخاطر الناتجة عنه.
أما بالنسبة للحديث عن انخفاض أعداد السرقات والجرائم في شهر نيسان، فإن مردّه بحسب مصادر متابعة إلى الحملات الكثيفة التي قامت بها الأجهزة الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي أدّت الى توقيف العشرات من السارقين والمجرمين وتجار المخدرات، لذلك انخفضت الأعداد في نيسان، ولا علاقة للأمور السّياسية بالمسألة، فلا الإنتخابات تؤثّر ولا غيرها، فالأمر يتعلق حصراً بقرار الدولة ونيّتها مواجهة الجرائم.
كلّما استمرت الكوارث الإقتصاديّة كلّما ارتفعت أعداد السرقات والجرائم، لا بل أن استمرار الفقر الحالي لمدّة طويلة سيجعل المجتمع بأكمله معرضاً لأن يصبح متفلّتًا، فهل يتوقع أحد من مواطن لا يجد قوت يوم أطفاله أن يظل على الطريق المستقيم؟!.