تأكد بما لا يقبل الشك، وجود تواطؤ محلي واقليمي ودولي على القلّة القليلة من الشعب اللبناني التي تسعى بالفعل الى تأمين مستقبلها ومستقبل عائلاتها والابقاء، قدر الامكان، على حلم العيش ببلد تتأمن فيه ادنى نسبة من العيش بكرامة والحياة الطبيعية، أكان في لبنان او خارجه... اما التواطؤ فهو عبر التقاء هذه القوى قاطبة على الهاء اللبنانيين بالقشور فيما الجوهر مضروب بشكل تام ويكاد يفقد الامل في اصلاحه. فبعد التشديد على اقامة الانتخابات النيابية في موعدها من دون بذل عناء البدء بعمليات اصلاح حقيقية للمسارات المعيشية والحياتية على الاقل، ها نحن نتلهّى بقضيّة جديدة تتمثل بانتخاب رئيس لمجلس النواب بعد ان تمّ نشر اخبار هنا وهناك مفادها انّ عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى "ملكيّته" لرئاسة المجلس في خطر.
من المؤكّد ان مثل هذه القضيّة اساسيّة وجوهريّة بالنسبة الى اللبنانيين، ورؤية شخص آخر على كرسي رئاسة المجلس سيشكّل "صدمة" للكثيرين وهي ستكون ايجابيّة بعد نحو ثلاثة عقود من الزمن على الاعتياد على الشخص نفسه في المكان نفسه. ولكن، هل بالفعل هناك امكانية لذلك ام ان الامر مجرد فترة جديدة للتلهي قبل الانتقال الى موضوع آخر يلهي اللبنانيين وصولا الى الاستحقاق الرئاسي الذي سيكون فترة ملهاة يعتقد الكثيرون انها ستطول؟ مصادر مطّلعة اكدت ان الامر ليس بالمعركة التي يتم الحديث عنها، فلا الدستور قادر على فرض آراء البعض التغييري، ولا الواقع يسمح بذلك. وتشير المصادر الى انه وفق الدستور "ينتخب المجلس اولا، ولمدة ولايته، الرئيس ونائب الرئيس، كلا منهما على حدة، بالاقتراع السري، وبالغالبية المطلقة من اصوات المقترعين، واذا لم تتوافر هذه الغالبية في هذه الدورة وفي دورة ثانية تعقبها، تجري دورة اقتراع ثالثة يكتفي بنتيجتها بالغالبية النسبية، واذا تساوت الاصوات، فالاكبر سناً يعتبر منتخباً". من الناحية الدستورية اذاً، لا حاجة الى الثلثين على عكس ما يقتضيه الدستور بالنسبة الى انتخاب رئيس الجمهورية (حدد غالبية الثلثين في الدورة الاولى)، وهذا يعني ان الغالبية المطلقة يمكن ان تتوافر لانتخاب بري من جديد، او الغالبية النسبية بعدها، وهنا سيفتح الباب امام الاجتهادات بطبيعة الحال لتحديد هذه الغالبية وعددها، من دون الامل في ايجاد مخرج حقيقي للمسألة، مع العلم انه من المستبعد قيام اي جهة او تكتل في مقاطعة الجلسة لانه اولاً لن يكون من المجدي في ظل غياب تحديد الدستور الزامية الثلثين، وثانياً يكون عمل المجلس بأكمله معلقاً ما لم تتم عملية الانتخاب، وهذا امر لن يتحمّله احد، من دون الاخذ في الاعتبار ايضاً انه حتى في القوى "المعارضة"، لن يكون هناك غالبية تؤيد ازاحة رئيس السن الحالي عن منصبه العتيق، نظراً الى العلاقات التي تربطه بمسؤولي وزعماء هذه القوى.
وتشرح المصادر انه في الواقع العملي، اي نائب شيعي سيتجرأ على الترشح ضد بري، اكان من الخط نفسه ام لا؟ وماذا لو لم يترشح سوه للمنصب؟ وهنا تضيف المصادر ان المشهد لا يحتمل غياب شخصيتين في الوقت نفسه اعتاد على وجودهما المجلس اي الرئيس ونائبه (بعد سقوط النائب ايلي الفرزلي في الانتخابات الحالية)، مع التشديد على ان وضع بري لا يشبه وضع الفرزلي بأي شكل من الاشكال، ولكن من المهم الاشارة الى هذه النقطة. اما النقطة الاهم فهي ان الجميع تغافل او اغفل ان حزب الله لن يقبل بتقويض صورته وتحديه في مسألة بهذه الاهمية، خصوصاً وانه عاد وبري الى المجلس بقوة لجهة تمثيل الطائفة الشيعية، فمن الذي سيقرر عن هذه الطائفة غيرهما؟ قد يختلف الاثنان على امور محددة، ولكن عندما يتصل الامر بهذا الوضع، فستوضع الخلافات جانباً، ولن يكون بمقدور احد الدخول على هذا الخط، ولن يستطيع الحزب ولا حركة "امل" وجود بري تحت قبة البرلمان على كرسي النواب بدل كرسي رئاسة المجلس.
لهذا، تضيف المصادر ان بري ومؤيديه سيستعيرون هذه المرة الشعار الذي استعمل سابقاً لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، للقول ان "بري... راجع"، وانه من الافضل عدم التلهي بهذا الامر والدخول مباشرة بالعمل على امور اكثر نفعاً وجدية، قبل الانتقال الى فترة اخرى من التلهّي لجهة تشكيل الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية التي باتت على الابواب.