في ظاهرة تستحق التوقف عندها، يبدو أنّ غالبيّة القوى السياسية والتغييرية مستمرة، بالرغم من إنتهاء الإنتخابات النيابية، في حملاتها، في مشهد يوحي وكأنّ هناك جولة جديدة من المعركة قد تحصل في أيّ لحظة، بينما الإنهيار القائم، على كافة المستويات الإقتصادية والإجتماعية والمالية، يتسارع.
من حيث المبدأ، البلاد تحتاج، بأسرع وقت ممكن، إلى لملمة ما رافق هذا الإستحقاق من تصعيد متبادل، للإنطلاق نحو إنجاز الإستحقاقات الدستورية الضرورية، على أن يكون ذلك مقدمة نحو البدء بمعالجة الملفات الضاغطة، لا الإستمرار في الخطابات التي لن تقود إلا إلى المزيد من التشرذم.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بعد إغلاق صناديق الإقتراع كان الجميع يدرك أن السؤال الأساسي من المفترض أن يكون عن التسوية، التي على أساسها ستدار البلاد في السنوات الأربع المقبلة، خصوصاً أن الجميع يعلم أن طبيعة النظام الطائفي تفرض الذهاب إلى هكذا الخيارات، لكن حتى الساعة لا يبدو أن الكثيرين باتوا في هذه المرحلة.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه حتى الساعة هناك فريقان تعاملا بواقعية مع النتائج التي أفرزتها صناديق الإقتراع: "حزب الله" و"حركة أمل"، الأمر الذي ظهر بشكل واضح من خلال المواقف التي أطلقها كل من أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالإضافة إلى رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يعتبر الشخصية الأكثر قدرة على التعامل مع الواقع الراهن.
وترى المصادر نفسها أن هناك خطابين أساسيين يستحقان التوقف عندهما: الأول هو خطاب حزب "القوات اللبنانية"، المستمر في لعبة التصعيد التي تقود إلى المواجهة المفتوحة، أما الثاني فهو خطاب النواب "التغييريين"، الذين لا يزالون يتعاملون كما لو أنهم مرشحين لا نواب منتخبين، لا بل الأخطر أنهم يتبنون أيضاً خطاب المواجهة بعيداً عن أي إدارك لطبيعة التركيبة اللبنانية.
على هذا الصعيد، ظهرت بعض المؤشرات التي تستحق التوقف عندها، أبرزها القراءة التي قدمها مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد هيل، في مقال نشره موقع "ويلسون سينتر"، تتضمن مجموعة من النقاط الهامة منها: "الممارسات الديمقراطية والبنية السياسية الطائفية في لبنان تميلان إلى إحداث حالة من الشلل"، "يجب أن تكون أميركا واقعيّة ومعتدلة ومستعدّة للتصرف إذا انهار لبنان".
في هذا الإطار، لدى مصادر سياسية أخرى قناعة بأن أهم ما ورد في مقال هيل هو تقييمه للسياسة الأميركية تجاه لبنان، حيث اعتبر أن" السياسة الحالية المتمثلة ببناء الجيش والقوى الأمنية، كقوى استقرار، بالإضافة إلى الحب الشديد لجعل الإعانات الماليّة مشروطة بالإصلاح، هو أفضل ما يمكن أن تقوم به واشنطن في ظلّ الظروف الراهنة".
من وجهة نظر هذه المصادر، هذه القراءة الأميركية توحي، على عكس ما كان متوقعاً قبل الإنتخابات، أنّ البلاد ذاهبة إلى المزيد من المواجهات، الأمر الذي يتأكّد من خلال رصد المواقف التي تعبّر عنها بعض القوى السياسية والتغييرية أيضاً، إلا إذا كانت فرنسا قادرة على قلب المعادلة عبر تسريع العمل على المبادرة التي يُحكى عنها، خصوصاً أن الجانب الأوروبي لديه مصلحة في عدم إنفجار الأوضاع اللبنانية.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن ما تقدم يقود إلى معادلة أن المطلوب من الإستحقاق الإنتخابي كان إختبار ما يسمى مشروع "القيادات الجديدة"، لفهم أهمية الإستمرار به أو البحث عن خيارات بديلة، حيث أن المعطيات الراهنة توحي بوجود رغبة بالإستمرار به، الأمر الذي يتطلب المزيد من التدقيق في المستقبل.