أمّا وقد حصلت الانتخابات النيابيّة، عكس كلّ التوقّعات، وفاز مَن فاز. صار لزامًا أن ننظر إلى الأمام بشيءٍ من الموضوعيّة، المكلّلة بالأمل والرجاء.
في البداية لا بد لنا من توجيه تحيّة إكبار إلى القوى الأمنيّة، التي استطاعت أن تحفظ أمن العملية الانتخابيّة، رغم ما يعانيه أفراد هذه القوى، من إحباطات نتيجة الشحّ في المدخول، جرّاء الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة. كما وننحني لانتظامهم، ومناقبيّتهم، وأخلاقهم الحميدة.
قد يبدو المشهد، عند بعض المتضرّرين، معاكسًا لما لمسناه من تضحيات لدى القوى الأمنيّة، وفي طليعتها، الجيش اللبنانيّ، إلاّ أنّ هذا عائدٌ إلى تصرّفات البعض اللّاأخلاقيّة، وبعض "الزعران" الذين لا يناسبهم الأمن ولا الأمان.
في هذه الأسطر، أرغب في توجيه نداء إلى كافّة النواب، الذين دخلوا الندوة البرلمانيّة، للمرّة الأولى، أو الذين حافظوا على مقاعدهم، لأقول لهم، وبالفم الملآن: حان الوقت لكي تعملوا على إنقاذ ما تبقّى من أسس للدولة، دون النكد السياسي والنكايات العبثية والمناكفات الإعلامية، حتى لا تقضوا على ما تبقّى من هذا البلد.
ندائي للنوّاب، أن يفكّروا مليًّا بنتائج الانتخابات، وقراءتها بأبعادها الوطنيّة، والطائفيّة، والمذهبيّة، والمناطقيّة. كما التغييريّة. ندائي لكم ألاّ تكابروا وتتكابروا، ندائي لكم أن تسعوا، بما تملكون من عزيمة واندفاع، لأن تطرحوا الأمور كما تحت قبّة البرلمان، وألا تمارسوا ألاعيب مضلّلة، تغدرون بها من منحكم صوته وثقته، وتذكّروا، ما من أحد يستطيع أن يلغي أحد في هذا البلد، والأشخاص يصنعون المركز، لا العكس.
ليتذكر كلّ نائب، أنّ الشعب يحاسب، ولا يسكت على ضيم. ولذلك من أولى مهام، الذين حققّوا انتصارات بارزة، وليس بأصوات خجولة، أن يضعوا قضية انفجار المرفأ، في سلّم الأولويّات، وضرورة العمل على إعادة الأموال المنهوبة للمواطنين، دون أن ننسى موضوع الكهرباء، والمحروقات، والطبابة، والتعليم، والخبز، والدواء، التي يفتقر إليها اللبنانيّون المحتاجون إلى الحد الأدنى من مقوّمات العيش. ندائي إلى ضمير النواب المنتَخبين، أن يقمعوا روح الطائفية في نفوسهم، ويقتلعونها من نصوصهم. ندائي لكم ألا تكونوا نوّابًا للأحياء، والزواريب، والشوارع، والخدمات الشخصيّة، بل كونوا على ملء قامة الدستور، التي تجعلكم نوّابًا للأمّة، لتخدموا الوطن على كافة الصعد والمستويات، انتم في المفهوم العام، خدّامًا للشعب، وخدّامًا لقضايا الوطن، وحرّاسًا للدستور ولتطبيق القوانين بشفافية مطلقة ومن دون التواء.
صحيح أنّ البرلمان يفتقد بالحدّ الأدنى للشرعيّة الشعبيّة، بسبب تدنّي نسبة المقترعين، باستثناء دائرة أو دائرتين، لكن إذا أنجزتم خيرًا للبنان، ستعيدون الثقة للناخب اللبنانيّ، ليمارس حقّه بحماس وقناعة، لا سيما وأنّنا على موعد مع الانتخابات البلديّة، والاختياريّة السنة المقبلة بإذن الله.
رغم كلّ ما شاب هذه الانتخابات من فوضى وتشكيك ورشاوى وشدّ عصب، باتت انتخاباتنا واقعًا. فلتسر نحو الأمام، دون وضع العصي في مسيرة التشريع، وإضاعة الوقت بتعداد الحواصل والصوت التفضيلي وبورصة الأرقام.
لبنان بحاجة إلى طاهرين، إلى إنقاذيّين، إلى أشخاص عفيفين، ومؤمنين ببلدهم، وليسوا خدّامًا لدول وسفارات. لبنان بحاجة إلى أناس يستقطبون الجيل الجديد الذي فَقد إيمانه وثقته بوطنه. بلدنا بحاجة إلى روح الشباب المثقّف والواعي والمخيّر، لا المسيّر وراء غرائز الزعماء. بلدنا بحاجة إلى رقي أخلاقي وثقافي وحضاري، في التعاون وفي الخطابات المتبادلة، لا إلى مشاحنات ومزايدات وعراضات إعلامية موبوءة، تطالعنا بها بعض شاشات التلفزة، عبر إعلاميين وإعلاميات، يعتقدن أن الفجور في الكلام قد يحقق الإنتصارات.
ندائي إلى ضمائر النواب، أن تجعل من التعدد الطائفيّ نعمة بدل تحويله إلى نقمة، ليعود قُبلة الأنظار، بعد أن تحوّل مسرحًا للصراعات. أبعدوا عنكم أجندات الدول وتوجيهات السفراء، واجعلوا هذا الوطن واحة سلام. لبنان أمانة في أعناقكم، فلا تفرّطوا به. أبعدوا شبح الحرب الأهلية وفكرة التقسيم، وتلاقوا على "كلمة سواء". حاسبوا أنفسكم أولًا حتى لا نلعن الساعة التي فيها نجحتم، ويندم الذين انتخبوكم، والسلام.