منذ صدور نتائج الإنتخابات كانت الأنظار تتجه إلى جلسة إنتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه، بشكل أساسي، لفهم التوازنات التي ستكون حاضرة في البرلمان الجديد، خصوصاً أن صناديق الإقتراع لم تفرز أكثرية واضحة، لا بل كان هناك خلافات كبيرة في تفسير الأرقام التي نتجت عنها.
في هذا السياق، كان من الواضح أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري سيكون قادراً على الفوز، بسبب قدرته بالحصول على عدد من الأصوات من خارج تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، وبالتالي من غير المنطقي إعتبار أن الأصوات التي نالها (65 من أصل 128) تعكس أيّ أكثرية، لكن هذا الواقع يتبدّل عند النظر إلى الأرقام التي نالها نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب وأحد أميني السر آلان عون (65 من أصل 128 أيضاً).
هذه النتيجة تؤكد، بما لا يقبل الشكل، أن قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" لديهما أكثرية جاهزة عند الضرورة، الأمر الذي يجب التوقف عنده، نظراً إلى أن هذا الأمر قد ينسحب على العديد من الإستحقاقات المقبلة التي يحتاج فيها هذا الفريق إلى الأكثرية، أبرزها تسمية رئيس الحكومة المكلف ونيل الحكومة الثقة وإنتخابات رئاسة الجمهورية، بينما من ناحية أخرى تسقط النظرية التي كان يتبناها حزب "القوات اللبنانية"، أي وجود أكثرية نيابية جديدة مؤلفة من النواب "السياديين" و"التغييريين".
بالتزامن، سجل، في الدورة الثانية من إنتخاب نائب رئيس المجلس النيابي، تموضعاً لافتاً، تمثل بذهاب عدد لا يستهان به من النواب "التغييريين" إلى التصويت لصالح النائب غسان سكاف، بعد أن أيقنوا، من خلال النتائج التي أفرزتها الدورة الأولى، أن المنافسة جدّية مع بوصعب، لكن من الناحية العملية شكلت هذه الخطوة "سقوطاً" لهم في لعبة الإنقسام التقليدي في البلاد بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، نظراً إلى أن سكاف كان قد ترشح من ضمن لائحة تضم تحالف "الحزب التقدمي الإشتراكي" والنائب السابق المحسوب على تيار "المستقبل" محمد القرعاوي، في حين كان هناك ضمن الدائرة نفسها لائحة تمثل المجتمع المدني.
على صعيد متصل، من الممكن الحديث عن سقوط آخر، في الجلسة نفسها، بالنسبة إلى النواب "التغييريين"، يتمثل في إنسحابهم من معركة أمناء السر، بعد أن كان قد ترشح كل من النائبين فراس حمدان وميشال الدويهي، إعتراضاً على الصيغة المذهبية التي يتم الإنتخاب على أساسها، أي أنهم إختاروا الذهاب إلى خيار يمكن وصفه بـ"الإستعراضي"، بدل السعي إلى الفوز بمنصب برلماني، بغض النظر عن أهميته، الأمر الذي قد ينعكس على أدائهم في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنهم في الترشيحات إلتزموا بالعرف الطائفي (ترشيح درزي وماروني) قبل أن ينسحبا إعتراضاً على ذلك.
أبرز ما يجب التوقف عنده، في هذه الجلسة، قد يكون حال الفوضى التي كانت مسيطرة على عملية إدارتها، بعد أن كان بري يمتاز بهذا الأمر على مدى سنوات طويلة، حيث سجل أكثر من سجال دستوري وقانوني حول طريقة التصويت أو إحتساب الأغلبية، خصوصاً عند إنتخاب أميني السر، وهو ما قد يكون له تداعيات كبيرة على عمل المجلس في السنوات الأربع المقبلة، إلا أن سببه الأساسي قد يكون الشرذمة التي أفرزتها نتائج الإنتخابات.
في المحصلة، التعبير الأصدق عن واقع جلسة المجلس الأولى قد يكون ما تحدّث عنه عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب علي عمار، الذي أشار إلى أن النواب قدموا للرأي العام صورة "لا تُبشّر بالخير"، فهل ينجح نواب الأمة في تجاوز ما حصل في المرحلة المقبلة، أم يؤكدوا الصورة التي تحدث عنها النائب عمار؟.