كما كان متوقّعًا، منذ ما قبل الدعوة إلى جلسة البرلمان المخصّصة لانتخاب رئيسه ونائبه وهيئة مكتب المجلس، فإنّ كلّ الأنظار كانت "مشدودة" نحو الوافدين الجُدُد إلى ساحة النجمة، ممّن اعتادوا التظاهر أمام البرلمان، وأصبحوا داخله، وقد وُضِعوا سريعًا أمام "امتحان" قد لا يكون عبوره سهلاً عليهم، ومعظمهم من غير "المتمرّسين" في العمل السياسي المؤسساتي.
لذلك، طُرِحت الكثير من علامات الاستفهام قبيل الجلسة، التي تحوّلت إلى "موقعة"، حول الأداء الذي سيلعبه نواب "التغيير"، أو ممثلو "ثورة 17 تشرين"، كما يحلو للبعض وصفهم، والاصطفافات التي سينخرطون فيها، حيث كان كلّ فريق ينتظرهم "على الكوع" لينزع عنهم صفة "الحياد"، ويحمّلهم مسؤوليات ربما تفوق حجمهم التمثيليّ وقدرتهم على التغيير.
بالنسبة إلى كثيرين، لم يخالف "التغييريون" التوقعات بصورة عامة، حيث غلب "الاستعراض" على أدائهم، من لحظة دخول البرلمان، محاطين بذوي ضحايا تفجير المرفأ، في "مشهدية رمزية"، إلى "الرسائل" التي أرادوا إيصالها بأوراقهم "الملغاة"، التي أصرّوا على قراءتها، مرورًا ببعض "المواقف" التي سجّلوها خلال الجلسة، والتي قد تكون في مكانها.
لكن، أبعد من ذلك، ثمّة من لام "التغييريين" لأنّهم بتمسّكهم بـ"الاستعراض"، لم يكونوا على قدر التوقعات، وخيّبوا الكثير من الآمال، خصوصًا أنّهم "ابتعدوا طوعًا" عن "المعركة" على كلّ المناصب، وهناك من يرى أنّهم قدّموا "الهدايا المجانية" لـ"حزب الله" الذي استعاد "أكثرية" قيل إنّه فقدها بموجب الانتخابات، فهل يمكن القول إنّهم "سقطوا في الامتحان الأول"؟
قد يكون من "الظالم"، وربما "الجائر"، القفز نحو استنتاجات من هذا القبيل، بعد جلسة "واحدة"، بدت "بروتوكولية" إلى حدّ بعيد، باعتبار أن نتائجها كانت "شبه محسومة" سلفًا، لكن الثابت بالنسبة إلى كثيرين أنّ هناك العديد من "الملاحظات" التي سُجّلت على أداء "التغييريين"، بينها ما يتعلق بـ"السلوك" خلال الجلسة، ولو أنّ كلمة حقّ تقال أنّهم كانوا "أكثر انضباطًا" من الكثير من نواب "السلطة"، وأصحاب "الخبرة" في الجلسات البرلمانية.
على سبيل المثال، بدا كلام عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن فضل الله هو "النافر"، حين تصدّى للمعترضين عليه بالقول "إننا في البرلمان ولا نتظاهر في الشارع"، وقد بدت هذه الملاحظة وكأنّها "محضَّرة سلفًا"، علمًا أنّ مداخلته حول الأكثرية المطلقة لم تكن موفَّقة برأي كثيرين، ولو أنّ الإشكال الذي طرحه قد يكون محقًا، إلا أنّ "خلطه" بين الانتخابات النيابية، التي لها قانونها الخاص والواضح، والانتخابات "المجلسية"، بدا مثيرًا للجدل.
وعلى مستوى "أداء" النواب "التغييريين"، كان متوقَّعًا أن يعمدوا إلى إيصال بعض "الرسائل" من خلال الأوراق "الملغاة" في انتخاب رئيس البرلمان، كما كان لافتًا السجال الذي دار بينهم وبين رئيس البرلمان حول "قراءة" هذه الأوراق، بعدما حاول "القفز فوقها"، مكتفيًا باعتبارها "ملغاة"، وقد دخل نواب "الكتائب" على خطّ هذا السجال أيضًا، الذي دفع بري في نهاية المطاف إلى "الخضوع" لرغبة النواب، بعد ضجة بدت "مفتعلة" بشكل كبير.
أما "الملاحظة الأكبر" على أداء نواب "التغيير"، والتي جعلتهم "عرضة للهجوم" من طرفي المعادلة، فتمثّلت في تعاملهم مع انتخابات نائب رئيس البرلمان، فهم وضعوا الأوراق البيضاء في الدورة الأولى، لكنّهم عمدوا إلى تسمية المرشح غسان سكاف في الدورة الثانية، بوصفه "أقرب إليهم"، بحسب ما قال بعضهم، وهو الذي كان مرشّحًا على لائحة "الحزب التقدمي الاشتراكي" في الانتخابات الأخيرة، ولو عمد إلى توصيف نفسه بـ"المرشح المستقلّ".
لكنّ هذا التصويت جعلهم عرضة للانتقادات من العديد من الأطراف، فبعض قوى المجتمع المدني التي أسهمت في وصول هؤلاء "التغييريين" أعربت عن "خيبة أملها"، للتصويت لمرشح "الاشتراكي"، الذي يبقى أحد "رموز" المنظومة، فيما لم يتردّد "حزب الله" وحلفاؤه بالتصويب عليهم، باعتبار أنّ "القناع قد سقط"، بمجرّد تصويتهم لصالح مرشح محسوب على "السلطة"، ما يعني أنّهم لا يقفون على "الحياد".
أما الهجوم الأكبر فكان من "القوات اللبنانية" التي ذهب بعض نوابها للحديث عمّن كانوا يريدونهم "حلفاء لهم"، بوصفهم "من يسمّون أنفسهم تغييريين"، حيث حمّلت "القوات" هؤلاء النواب مسؤولية "تشتّت" المعارضة، علمًا أنّ هناك من اعتبر أنّه كان "الأجدى" بنواب "التغيير" أن يرشّحوا أحدهم للمنصب، بدل الدخول في كلّ هذه "المعمعة"، وربما كان بإمكانهم أن يحققوا "ضربة معلم"، وينجوا في تسجيل "الخرق الأول" في قلب "المنظومة".
يبقى موقفهم في انتخابات أميني السر، التي شكّلت "فضيحة" للمجلس برمّته، عندما ظهر رئيس البرلمان لولاية سابعة، ومعهم نواب يتوارثون مقاعدهم من دورة إلى أخرى، غير مدركين لآلية الاقتراع، بل إنّ هناك أفكارًا "غريبة عجيبة" طُرِحت في هذا السياق، كإصرار بري مثلاً على التصويت لكل مرشح على حدى، من دون أن يُفهَم كيف يمكن أن يتمّ ذلك، قبل اللجوء إلى "اقتراع طائفي" من شأنه أن يشكّل "سابقة" من نوعها.
وهنا أيضًا، تباينت الآراء من مواقف "التغييريين"، الذين رشّحوا اثنين منهم قبل أن يعلنوا سحب ترشيحهما اعتراضًا على الصيغة "الطائفية"، حيث اعتبر البعض هذا الموقف "إيجابيًا"، وينسجم مع "المبادئ" التي ينادون بها، فيما هاجمهم البعض الآخر، باعتبار أنّ عليهم المواجهة من قلب النظام الذي يدركون أنّه "طائفي"، وبقي قسم ثالث أدانهم عبر الإيحاء أنّ الانسحاب جاء لصالح الحزب "الاشتراكي"، وهو ما لا يبدو منطقيًا، خصوصًا أنّ أحدًا لم يلزمهم بالترشح أساسًا.
في النهاية، لا يمكن الحديث عن "سقوط فعلي" لنواب "التغيير"، رغم كلّ الملاحظات، التي تنطوي أساسًا على الكثير من "المبالغات" في جوانب منها، إلا أنّ الأكيد، وما أثبتته جلسة البرلمان الأخيرة، يبقى أنّ هناك من يصرّ على وضع هؤلاء النواب أمام "امتحان دائم"، ربما في سياق "الضغط" عليهم، علمًا أنّ هناك الكثير الذي يُحكى في المقابل عن نواب يفترض أنّهم "متمرسون"، فإذا بهم يسقطون مرّة أخرى، في الكثير من "الأفخاخ".