تفاعلت منذ ايام الانباء التي تحدثت عن احتمال ظهور مرسوم جديد للتجنيس، يكون بمثابة المرسوم الاخير الذي يوقعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل انتهاء ولايته الرئاسية، على غرار ما قام به اسلافه. وقد ادى هذا الخبر الى "نقزة" لدى الكثيرين الذين توجسوا من "تركيبة ما" للخروج بمثل هذا المرسوم، واعطاء الجنسية لمن لا يستحقها ارضاء لمصالح معيّنة او لشخصيات محددة، او من اجل ربح مادي لا تعرف قيمته بالتحديد ولا نسبة توزيعه على من يمكن ان يستفيد منه. وبغض النظر عن شرعية واحقية اصدار مثل هذا المرسوم، الا انه يأتي في توقيت اقل ما قال عنه انه سيء، ان بالنسبة الى عون نفسه، او بالنسبة الى الوضع اللبناني بشكل عام، او نظراً الى الجو السياسي المتوتر الذي يعشيه لبنان.
مصادر معنية بموضوع التجنيس، افادت بأن معوقات كثيرة تعترض صدور مثل هذا المرسوم، من ناحية مساره اولاً، ومن ناحية توقيته ثانياً. فمن ناحية المسار، اذا اراد رئيس الجمهورية اصدار مثل هذا المرسوم، وهو حق له، سيكون امام عقبتين اساسيتين تتمثلان بالشريكين معه في التوقيع، اي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي بسبب التوتر في الاجواء السائد حالياً بينهم، اذ ليس ميقاتي في وارد التوقيع ولا مولوي في وارد اقتراح المرسوم ليسلك طريقه الطبيعي، فكيف يتوقع ان يبصر النور في هذه الحالة؟ وتضيف المصادر: حتى لو تم تخطي عقبة الاسماء الواردة وموافقة الثلاثة عليها، فإن "مطبخ" المرسوم، اي المديرية العامة للاحوال الشخصية، لم تشهد بعد الحركة المعتادة التي تسبق صدور مراسيم التجنيس، على غرار الامن العام الذي لم يعمل بعد على التدقيق في الاسماء الواردة لاعطاء رأيه وملاحظاته عليها. ومن شأن خطوط التوتّر العالي السياسية التي تعبق بها اجواء الثلاثي المعني، ان تحبط اي محاولة في هذا المجال، ولو انه سيأتي بعد انتهاء الانتخابات النيابية، لكنه يشكل محضر اتهام لكل من عون وميقاتي ومولوي، قد يتحملها الاول كونه اقترب من انتهاء ولايته الرئاسية، لكن الآخرين سيجدان صعوبة كبيرة في تحمل المسؤولية لانهما يرغبان في الاستمرار لناحية تصريف الاعمال بداية والعودة بقوة الى الساحة السياسية ثانياً.
اما من ناحية التوقيت، فسيشكل هذا المرسوم نقطة سوداء لعون تحديداً قبل غيره، لانه كان اكد اكثر من مرة انه يعطي الاولوية القصوى لمكافحة الفساد واعادة الوضع الاقتصادي والمالي الى سكة التحسن واكمال مشروع التحقيق الجنائي المالي حتى الاخير، فكيف قفز مشروع التجنيس فوق هذه المعطيات التي خاض من اجلها معارك مع اكثر من طرف سياسي؟ هل بات لبنان اليوم يعيش في ترف تخطّي كل المشاكل التي تعترضه على الصعد كافة، كي يتفرّغ لاعطاء الجنسية لاشخاص (اكانوا يستحقونها ام لا)؟ واين اصبحت قضية عودة النازحين السوريين ومنع توطين اللاجئين الفلسطينيين، وهل يحتمل لبنان زيادة عدد مواطنيه في ظل الكثافة السكانية التي لم يترك عون مجالاً ومناسبة الا وتحدث عنها باسهاب شارحاً ما تسببه من معناة للبنانيين؟ وبين هذا وذاك، تقول المصادر انه من المؤكد ان تحوم الشكوك حول تلبية المرسوم لشروط اعطاء الجنسية، فهل تنطبق عليهم بالفعل؟ وهل سيستفيد منهم لبنان ام انهم سيحملون هذه الهوية بالشكل فقط، ويستفيد منها بعض الاشخاص من دون ايّ تأثير فاعل على مصلحة هذا البلد؟.
كل هذه الاسئلة تحتاج الى اجابات، ولكن المصادر نفسها تجزم بأنه اذا كانت المصلحة الخاصة مؤمّنة للاطراف المعنية، فإن كل العقبات الاخرى تصبح ثانوية ويزداد بالتالي فرص ابصار المرسوم النور، اما في حال الخلاف على المصالح، فسيوضع في الثلاجة في انتظار الرئيس الجديد والحكومة التي سيعمل معها.