حجبت "الفوضى"، التي رافقت جلسة المجلس النيابي الجديد الأولى، الأنظار عن معطى أساسي من المفترض أن تظهر تداعياته سريعاً في الفترة المقبلة، يتمثل في غياب المرجعيّة السياسية السنية عن أهم مؤسّسة دستوريّة، بعد أن كان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قد قرّر عدم المشاركة في الإنتخابات النّيابية، بالإضافة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي لم يذهب حتى إلى دعم اللائحة التي كانت محسوبة عليه في طرابلس بالشكل المطلوب.
في جلسة البرلمان المذكورة، كان من الواضح وجود مرجعية سياسية شيعيّة واحدة حمست مسألة إنتخاب رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد أن كانت نالت كل المقاعد النيابية الشيعية، بينما في المقابل كان التنافس على المواقع المسيحيّة بين مرجعيتين أساسيتين: "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، الأمر الذي تظهر في إنتخابات أمين السر الماروني، في حين أن خاضت المرجعية السياسية الدرزية، أي "الحزب التقدمي الإشتراكي"، معركة دستورية وقانونية، لضمان فوز مرشّحها لمنصب أمين السر الدرزي.
من حيث المبدأ، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التوافق على إنتخاب المفوضين الثلاثة حال دون كشف حالة "الشرذمة" المسيطرة على الواقع السني، الأمر الذي قاد إلى فوز النائب عبد الكريم كبارة بالموقع المخصّص للطائفة السنّية، لكن من الناحية العمليّة لم يظهر أنّ هناك أي مرجعيّة قادرة على جمع العدد الأكبر من النواب السنّة، الذين باتوا، برلمانياً، ينقسمون على كتلتين أساسيتين: المقربون من قوى 8 آذار، المحسوبون على تيار "المستقبل"، بينما الباقون يمكن وضعهم في إطار المستقلين والتغييريين.
في قراءة هذه المصادر، هذه المعضلة ستكون حاضرة بقوّة في الإستحقاقات المقبلة، خصوصاً عند الذهاب إلى تسمية رئيس الحكومة المكلّف، لا سيما إذا لم تنجح الإستشارات القائمة في تأمين إعادة تسمية ميقاتي لهذا الموقع، نظراً إلى أن الشخصيات السياسية السنية كان قد "اخترعت"، في السنوات الماضية، نادي رؤساء الحكومات السابقين، لتأمين "الغطاء" لأيّ مرشح لهذا الموقع، وهو ما كان قد ظهر سابقًا لدى تسمية السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب ونجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال، بينما تسمية رئيس الحكومة السابق حسان دياب كانت قد حظيت بغطاء غير مباشر من جانب تيار "المستقبل".
وتشير هذه المصادر إلى أنّ هذه المعادلة تدفع، بالدرجة الأولى، إلى السؤال عمن "يغطّي" أي رئيس حكومة مكلّف جديد، خصوصاً إذا لم يكن من نادي رؤساء الحكومات السابقين، من دون تجاهل معطى آخر يتعلّق بمن يسمّي الوزراء المحسوبين على الطائفة في أيّ حكومة تشكل، إلا إذا قرر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العودة عن قرار الإبتعاد عن الحياة السياسية، نظراً إلى أنه يستطيع، عند ذلك، أن يجمع كتلة تضمّ عدداً لا يستهان به من النواب الحاليين، وبالتالي التأثير في المعادلة الجديدة بشكل حاسم، لا سيما أن الكتل الأساسية في تحالف قوى الثامن من آذار تشدّد على أهمّية هذا الأمر، خوفاً من أيّ تداعيات قد تترتب على غياب المرجعية الواضحة.
في المحصّلة، هناك واقع على هذه الساحة، من وجهة نظر الكثيرين لا يمكن تجاهله بأيّ شكل من الأشكال، خصوصاً أنه قد يعيد إلى الأذهان بعض المشاهد التي رافقت إستقالة الحريري، بعد إندلاع حركة 17 تشرين الأول من العام 2019، عندما خرجت فئات شعبية تؤكد أنها كانت مع معادلة "كلّن يعني كلّن"، لكنها ترفض أن تكون على حساب رئيس تيار "المستقبل" فقط.