منذ بروز نتائج الإنتخابات النيابية، التي فاز بها عدد لا يستهان به من التغييريين، كان من الواضح أن الأضواء ستبقى مسلطة عليهم طوال ولاية المجلس الجديد، نظراً إلى أن هناك من القوى التقليدية من يريد جرهم إلى الإصطفاف السياسي معه، بينما هناك في المقابل من يريد أن يستغل أيّ هفوة لهم للتصويب عليهم.
إنطلاقاً من ذلك، كانت الإتهامات التي وجهت لهم من قبل غالبية الأفرقاء، بعد جلسة البرلمان الأولى، فقوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" اعتبروا أنهم وقعوا في فخ الإصطفاف إلى جانب حزب "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، أي بعض أركان قوى الرابع عشر من آذار سابقاً، بينما في المقابل الفريق الآخر اعتبر أنهم، بسبب عدم تنسيقهم الجيد معه، أضاعوا فرصة هزيمة الأكثرية السابقة.
بناء على ما تقدم، يمكن فهم الهجمة التي تعرض لها هؤلاء من رئيس "الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس "القوات" سمير جعجع، التي تصبّ في إتجاه واحد عنوانه أنهم سيكونون من دون أيّ تأثير بحال عدم التحالف معهما، بينما في المقابل لدى النواب التغييريين، أو البعض منهم، قراءة مختلفة، تقوم على أساس أنهم غير مضطرين لأن يكونوا جزءاً من أيّ إصطفاف، خصوصاً أن "الاشتراكي" و"القوّات" هما أيضاً من المنظومة التي كانت موجودة بالسلطة في السنوات الماضية.
في هذا السياق، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بات من الواضح أن "الاشتراكي" و"القوّات" يريدان تحميل النواب التغييريين مسؤولية أيّ إخفاق قد يحصل معهما، خصوصاً في الاستحقاقات المقبلة، سواء تلك المتعلقة بإنتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية أو تسمية رئيس الحكومة المكلّف، على قاعدة أنه ممنوع عليهم التماهي مع قوى الثامن من آذار أو "التيار الوطني الحر"، بينما هم، لا سيما "الاشتراكي"، مسموح له القيام بذلك، وهو ما حصل في انتخابات رئيس المجلس النيابي.
بالنسبة إلى هذه المصادر، في الأصل لا يمكن جرّ هؤلاء النواب إلى مثل هذه المواقف، نظراً إلى أنّ ذلك سيقودهم إلى الإنقسام والتشتّت، الأمر الذي سيؤثّر سلباً على صورتهم أمام الرأي العام، بالإضافة إلى منعهم من تحقيق هدفهم الأساسي، أيّ السعي إلى جذب كتلة أكبر من الناخبين لخياراتهم في الإنتخابات المقبلة، لا سيّما أن نظرتهم، في الأصل، غير موحّدة في مقاربة العديد من الملفّات الأساسيّة، سواء كانت سيّاسية أو إقتصاديّة أو إجتماعيّة.
في قراءة المصادر المتابعة، هناك معادلة يحاول البعض تجاهلها بالرغم من أهميتها، مفادها أن كتلة النواب التغييريين لا تمثل ما يمكن تسميته بـ"بيضة القبان" في المجلس، بل على العكس فإنّ من يملك القدرة على قلب الإصطفافات هو في مكان آخر، أبرزه قد يكون "الإشتراكي"، الذي هو الأقرب إلى التماهي مع قوى الثامن من آذار في العديد من الملفات، بسبب تحالفه مع "حركة أمل"، بالإضافة إلى مجموعة النواب الذين يدورون في فلك تيار "المستقبل".
في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أنّ قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" لديهما كتلة نيابيّة صلبة تصل إلى حدود 60 نائباً، أيّ تحتاج إلى نحو 5 نواب لتكون هي المقرر في مجمل الملفّات الأساسيّة، في حال كانت موحّدة ولم تعصف بها الخلافات، لا سيما بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل"، وهؤلاء الخمسة من الممكن تأمينهم سواء من كتلة "الاشتراكي" أو نواب من جوّ "المستقبل"، أو حتى من بعض المستقلّين الذين لا يوافقون على توجهات "القوّات".