لم يهدأ الغضب الفلسطيني المصحوب بالقلق في أوساط اللاجئين في لبنان على مصير وكالة "الاونروا" ومستقبلها، بعد تصريحات مفوضها العام فيليب لازاريني انه بدأ الانتقال من مرحلة "الإقتراح" و"استكشاف" إمكانية إحالة خدمات تقدمها للاجئين الفلسطينيين لمنظمات أمميّة بالانابة إلى مرحلة "المضيّْ"، رغم التراجع عنها موقتا.
الغضب الفلسطيني والقلق، دفعا لازاريني الى التراجع عن اقتراحه خلال لقاء جمعه مع لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في قطاع غزة، لم يُترجم ببيان رسمي على غرار رسالته الى مجتمع اللاجئين في نيسان الماضي، حيث اقترح فيها أن أحد الخيارات لمواجهة نقص التمويل اللازم هو "زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة مع خيار تقديم هذه المساعدات نيابة عن "الأونروا" وتحت إشرافها لضمان استمرار تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين".
وتؤكد مصادر فلسطينية مسؤولة لـ"النشرة"، ان القلق الفلسطيني لن يتوقف طالما لم يتراجع لازاريني رسميا عن طرحه الذي رفضه الكل الرسمي والسياسي والشعبي، وقد يكون تراجعه موقتا او تكتيكيا لامتصاص الغضب الذي بدأ يُترجم بتحركات احتجاجيّة في مختلف المخيّمات مع تردّي اوضاع ابنائها في ظل الازمات اللبنانية المتوالية الاقتصاديّة والمعيشيّة، ارتباطا بارتفاع الاسعار والغلاء والدولار الاميركي في السوق السوداء.
ويعتبر اللاجئون الفلسطينيون وقواهم السياسية بان اقتراح لارازيني هو بمثابة تدخل غير مبرر في ولاية "الاونروا" وخارج صلاحياته وحرف الانظار عن مهمته الاساسية في البحث عن تمويل مالي لسد العجز، حيث يكمن الحل في تخصيص موازنة لها من الامم المتحدة بشكل دائم، وليس الاعتماد على تبرعات الدول المانحة وموقفها المزاجي او السياسي او الارتباطي من القضية الفلسطينية، او في توزيع مهمة تقديم الخدمات الى المنظمات والمؤسسات الاممية، لان ذلك يفقد القضية الفلسطينية امتيازها وخصوصيتها، بأنها قضية سياسية وليست خدماتية، فيما المطلوب تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي صدرت بخصوصها.
لارازيني أكد في الاجتماع ذاته وفق ما نقل المشاركون عنه في بيان انه "لن يتم مطلقاً نقل صلاحيات أو نقل خدمات أو برامج لأيّة جهة كانت؛ سواء مؤسسات أمميّة أو الدول المضيفة، وأنه وإدارة الأونروا ملتزمون بنصوص التفويض الخاص بتأسيس الوكالة وفقاً للقرار302، ولن يتم أي تلاعب أو تغيير في التفويض"، معربا عن "إصراره على بقائها المزوّد الوحيد للخدمات للاجئين الفلسطينيين على صعيد التشغيل والإغاثة، وأنه لن يتم أي تغيير أو تقليص في مهامها وبرامجها"، مطالبا المجتمع الدولي بالإيفاء بالتعهدات المالية لضمان تمويل دائم ومستقرّ، يتيح لها القيام بوظيفتها في الخدمة.
وارتباطا بالموقف، تتجه الانظار باهتمام كبير الى اجتماع اللجنة الاستشارية الذي سيعقد في العاصمة بيروت بين 14-15 حزيران الجاري، وما اذا كان سيتم بحث الموضوع وتبنّيه او اسقاطه كليا، خاصة ان اللجنة الاستشاريّة التي تمّ تشكيلها بعد انشاء "الاونروا" مهمتها التشاور مع المفوض العام حول القضايا الاستراتيجية المتعلقة بمستقبل الوكالة الدوليّة، وهو اجتماع دوري يعقد كل ستّة اشهر في بلد، ويترأسه حاليًّا لبنان، ويشارك فيه ممثلو 28 دولة من مانِحي المساعدات الماليّة، اضافة الى ثلاثة اعضاء مراقبين، هم دولة فلسطين وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي.
ويقول مدير "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" علي هويدي لـ"النشرة"، انّ اهميّة الاجتماع يكمن انه يعقد للمرة الاولى في لبنان، الذي تولى الرئاسة على مدى عام كامل من تموز 2021 حتى اليوم، وسيتم فيه انتخاب رئاسة اللجنة الاستشارية لمدة عام ليتسلم المهمة من بيروت، وبحث اوضاع الاونروا والعجز المالي وسبل توفير الدعم المالي لاستمرار تقديمات خدماتها، علما ان المطلوب هو زيادتها في ظل الاوضاع الاقتصادية السيئة التي يترنح تحت وطأتها اللاجئون في المخيمات والتي بات الغالبية منهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع والبؤس.
واوضح هويدي، ان اصرار لازاريني على اقتراحه بالبحث عن الشراكات الدولية وغيرها قد تؤدي إلى تخلّي الأونروا عن دورها، ما يمثل تهديداً جديا لبقائها كشاهد على النكبة الفلسطينية وكوكالة إغاثة وتشغيل للاجئين حتى عودتهم إلى ديارهم، وهي تخلٍّ عن مسؤولياتها طبقا لقرار التفويض 302"، لذلك نرفض رفضاً قاطعاً أي مساس أو تلاعب بصلاحيات الأونروا أو إحالة مهامها أو جزء منها إلى أية جهة كانت؛ سواء مؤسسات دولية أو اقليمية أو الدول المضيفة، بالمقابل نتمسّك بشكل تام بصلاحيّات وكالة الغوث كما نص عليها قرار التفويض الصادر عن الجمعية العامة؛ ومنها الالتزام بتقديم الخدمات عبر "الأونروا" مباشرة وبشكل حصري.
واشار ان التحدي الاكبر في اجتماع اللجنة الاستشارية هو ترقب ما اذا كان المفوض لازاريني سيتراجع عن طرح هذه الاقتراحات ووقف تداولها، وعدم العودة لتكرارها، وامتدادا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عند بحث إعادة تمديد التفويض لها قبل نهاية العام الجاري ولمدة ثلاث سنوات جديدة. مذكرا ان اللاجئين في لبنان يعيشون قلقا متزايدا من محاولات استهداف حق العودة وشطب القرار 194 الذي أكد العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، وقد تكرر ذكره في قرار إنشاء الوكالة لسنة 1949 ثلاث مرات.