في ظلّ كلّ الأزمات التي تمرّ بها البلاد والأوضاع الاقتصادية والبيئيّة المتردّية، وفي ظلّ أنهماك المواطن في السعي للبحث عن كيفية تأمين الإستمرار بالعيش، أتى مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة التي إنعقدت في 20 أيار الفائت ليرتكب "جريمة" كبرى بحق البيئة والمواطن اللبناني على السواء نتيجة إتخاذ قرار باستحداث مقالع بأبو ميزان المتنية لتصبح مطامر مطامر نفايات على غرار ما تفعله السلطة من جرائم ماليّة واقتصاديّة.
دولة التخريب؟!
في هذا السياق، كان وافق مجلس الوزراء على القرار 67 في 20 من الشهر الماضي لاعطاء رخص لمواقع مقترحة من وزارة البيئة لتكون مقالع. وفي هذا الاطار تعود مصادر مطلعة على الملف عبر "النشرة" الى العام 2006 والخطة التي وضعت لدراسة تقييم الاثر البيئي وأحد أهم المعايير التي وضعت للمطامر أنّه يمنع على أيّ مطمر أن يكون ارتفاعه فوق 400 متر لأنّ ينابيع لبنان جميعها فوق هذا العلوّ، مشيرة الى أن هذا القرار أتى حماية للمياه الجوفية ولأن تأثير المطامر السلبي هو على هذه المياه.
تعود المصادر الى القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء بإنشاء مقلع في أبو ميزان، وهنا تلفت الى أنّه على ارتفاع 1000 متر ويأتي في حوض نبع جعيتا، ما يعني أنّ المياه التي تغذي النبع المذكور تأتي من عدّة مصادر واحدة منها محيط مقلع أبو ميزان"، شارحة أن "نبع جعيتا هو المصدر الأساسي لمياه الشرب لنصف سكّان بيروت ومنطقة ساحل المتن، وخطورة المسألة أن جزءًا من الملوّثات لا تظهر مباشرة بالمياه، وهذا يسبب كارثة صحيّة خاصة وأن نبع هذه المنطقة كان مرشّحا ليكون من أهمّ المواقع السياحية في العالم".
تسرّب الى المياه الجوفية
"بعد أن تنزل العصارة من المطمر لأنّه مقلع كبير يُمكن أن تتسرّب للمياه الجوفية". هذا ما تؤكده المصادر، معتبرة أن "هذه خطورة إضافية تؤدي الى تلوّث نبع جعيتا بعدّة أنواع من البكتيريا غالبيّتها مسرطنة، والأهم من ذلك أن هذه الملوثات لا طعم ولا رائحة لها"، مضيفة: "مياه نبع جعيتا ترسل الى مركز الضبيّة لتكرير مياه الشرب، وهذا المركز ليس مؤهلاً لإزالة مثل هذا النوع من التلوّث، وبالتالي يفترض أن تكون مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان المُعارض الأول لإنشاء المطمر في منطقة أبو ميزان".
تذهب المصادر الى كلفة شحن النفايات الى أبو ميزان، وتشير الى أنه "وفي المنطق، تحمّل الشاحنات النفايات من المناطق الجبليّة لتأخذها الى مطمر على الساحل اليوم، وما يحصل هو العكس، فالمطمر في منطقة جبلية طرقاتها ضيقة، فكيف ستكون كلفة الشحن؟ وماذا سيحصل بتلك الطرقات التي ستسلكها الشاحنات يومياً. حتماً ستدمّرها".
أمام هذا المشهد والكارثة البيئية التي ستصيب منطقة المتن اثر استحداث هذا المقلع وبكسروان وجعيتا بعد تلوث النبع والمياه الجوفية، يبقى السؤال الأهمّ "أين وزير البيئة من هذا المشروع؟ كيف مرّره دون ادراك خطورته على البيئة وعلى الصحّة في آن؟ والأهمّ أين هم المستشارون الذين يحاضرون عن أهمية المحافظة على البيئة؟ ألم يجروا دراسة على المشروع قبل وضع الخطّة ورفعها الى مجلس الوزراء لاقرارها؟ أكثر من ذلك، فإنّ السياحة هي من أبسط الأمور المتبقّية في لبنان، وجعيتا واحدة من أهمّ المواقع التي وضعت على الخريطة السّياحية العالميّة وبالتلوث الذي سيصيب ينابيعها حتماً ستدمّر السياحة... فهل تتجرّأ وزارة البيئة ومعها الوزير على اتّخاذ موقف بتجميد المشروع؟! أمّ أنّ اتّخاذ القرار جاء على مبدأ منفعةٍ مخفيّة؟!.