تشهد العملات الرقمية، على مستوى العالم، موجة نزيف حادة، أدت إلى تكبد هذه السوق خسائر كبيرة، ما دفع القيمة السوقيّة الإجمالية إلى النزول دون تريليون دولار، الأمر الذي أعاده البعض إلى بيانات التضخم الأميركية، التي صدرت في الأيام الماضية، نظراً إلى أنها أشعلت المخاوف من ركود اقتصادي وشيك، وقرارات عنيفة للفيدرالي الأميركي حيال توقعات الفائدة.
في هذا السياق، يعتبر الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية وشؤون الإستثمار جهاد الحكيّم، في حديث لـ"النشرة"، أن انهيار أسواق العملات المشفرة طبيعي، كون مؤشر أسهم "ناسداك" تهاوى بحوالي 32% منذ مطلع العام ولغاية اليوم (YTD)، وبالتالي ليس مستغرباً أن يكون انخفاض "بيتكوين" قد بلغ حوالي 54% في الفترة عينها، خصوصاً أن أسواق العملات الرقميّة تتضمّن مخاطر أكبر، إلا أنه يوضح أنه على الرغم من الانهيار أسعار البيتكوين، في آخر 5 سنوات وحتى اليوم، سجلت ارتفاعاً بحوالي 750%.
من جهة نظر الحكيّم، زيادة الفوائد المرتقبة من قبل الفدرالي الأميركي لكبح التضخم الجامح، الذي هو عند أعلى مستوياته منذ أكثر من 40 عاماً، هي أبرز الأسباب وراء هذا الإنهيار، ويشدد على أن إخفاق "بيتكوين" بعدم تسجيل أيّ إقفال شهري فوق مستوى 47200، منذ مطلع العام، وإقفالها تحت هذا المستوى في نهاية العام 2021، كان بمثابة إشارة إلى أن سوق العملات الرقمية يتجه إلى الانخفاض أكثر، خصوصاً أن معنويات صغار المتداولين كانت مرتفعة للغاية (Market Sentiment)، كما ان حالة الهلع والذعر الذي خلفته Coinbase بعد تصريحاتها، في حوالي منتصف أيار، بأن أصول الزبائن لديها من عملات إفتراضية وغيرها ليست آمنة في حال تعرضها للإفلاس، سرعت من الاتجاه الانخفاضي للعملات المشفرة.
من جانبه، يلفت الخبير المالي والإقتصادي وليد أبو سليمان، في حديث لـ"النشرة"، إلى الترابط بين الأسواق العالمية على مستوى الأسهم والتضخم والحرب في أوكرانيا، وبالتالي العملات الرقمية تبين أنها ليست بعيدة عما يحصل على المستوى العالمي من أزمات، الأمر الذي انعكس هبوطاً حاداً وملحوظاً في قيمتها.
على مستوى التداعيات، يشير أبو سليمان إلى أن الأساسية منها ستكون على مستوى الخسائر التي سيتكبدها المستثمرون والمضاربون في هذه العملات بالنسبة إلى محافظهم، بسبب تراجع قيمتها، بينما يرى الحكيّم أن إعلان منصة "Celsius" لتداول العملات الرقمية عن إيقافها عمليات السحب والتداول والتبادل والتحويلات بين الحسابات سبب حالة من الذعر والهلع بين المتداولين، لا سيما أن الثقة كانت قد تزعزعت بعد إنهيار عملة "Terra Luna" المفاجئ، في الشهر المنصرم، والخسائر الفادحة في صفوف المتداولين.
ويرى الحكيّم أن بعض الشركات والمنصات التي تعنى بالعملات الرقمية ستسرح قسماً كبيراً من موظفيها، كما أن العديد من العملات المشفّرة التي لا ترتكز على مشروع واعد ومقنع يمكن أن تختفي، ويضيف: "الثقة ستتزعزع لبعض الوقت نتيجة الخسائر الفادحة التي تكبدها العديد من المتداولين، خصوصاً من كان يتداول مع رافعة trade with leverage ويفتقد للخبرة والمعرفة".
في السوق اللبناني، كان التداول بهذه العملات قد انتشر على نطاق واسع في صفوف الشباب بالسنوات الماضية، خصوصاً الفئة ما بين 18 و29 عاماً، بالرغم من التحذيرات العديدة التي كانت قد أطلقت في هذا المجال، سواء من جانب خبراء أو مسؤولين رسميين.
ويوضح أبو سليمان أنه بالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة في لبنان فإن حجم التداول ليس بالكبير، نظراً إلى أن شراءها يتطلب توفّر العملات الأجنبيّة الطازجة، الأمر الذي لم يعد متوفراً عند غالبية اللبنانيين بعد العام 2019، وبالتالي لا يتوقع خسائر كبيرة في هذا المجال.
في المحصّلة، معظم التوقعات تشير إلى أنّ الأمور في العام 2022 ستبقى على الوتيرة نفسها، فيما يتعلق بسوق العملات الرقميّة، لكنّ الأساس الذي يجب أن يعرفه الجميع هو أن التداول بهذا النوع من العملات يحتوي على مخاطر كبيرة، ومن الصعب في مكان توقع المسار المستقبلي لها.