ليس سراً ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي متسابق رئيسي في السباق نحو رئاسة الحكومة الجديدة، كما انه ليس سراً ايضاً ان الكيمياء ليست في اعلى نسبتها بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ما ينعكس على العلاقة التي تجمعه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون لاسباب معروفة، على الرغم من التسليم بقدرة ميقاتي على التناغم مع عون في الفترة الاخيرة في ظل الظروف الدقيقة والصعبة التي سادت. اليوم، وبعد تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، عدنا الى نغمة التكليف والتأليف وما بينهما من كلام ومواقف حول وجوب ان يكون التأليف جاهزاً مع التكليف، كي لا يضيع الوقت ولمعرفة كل ما يمكن القيام به خلال اشهر قليلة. واذا كتب لرئيس الحكومة المكلف التشكيل حكومته وابصارها النور قبل نهاية العهد الرئاسي، فهي لن تعمّر طويلاً بطبيعة الحال، وسيكون وجودها شكليّ لتقطيع مرحلة الفراغ الرئاسي الذي بشّرالجميع به.
من هنا، فإن كل التوقعات تصب في خانة اعادة تكليف ميقاتي، صحيح انه قد لا تكون الاغلبية كبيرة، في تكرار لسيناريو ما حصل في مجلس النواب لناحية انتخاب رئيس واعضاء هيئة مكتب المجلس، ولكنها ستكون كافية لاستمرار الرجل في مهامه في تصريف الاعمال الى ان يحين الوقت لتغيير هذا السيناريو. ووفق ما تراه مصادر متابعة، فإنّ حظوظه في العودة على حصان تسميته من قبل غالبية النواب، مرتفعة لانه الوحيد الذي بامكانه خوض غمار هذه التجربة الصعبة في ظلّ المعطيات المتوافرة، وهو يدرك تماماً ما وصلت اليه الحكومة التي ترأسها قبل الاستقالة، وما يجدر بالحكومة الجديدة القيام به للعب الدور المطلوب في المرحلة الاخيرة من مشهد التسويات والاتفاقات. واذا كانت عودته في اليد، فإنّ تسمية الوزراء ليست كذلك، وستحتاج الى الكثير من الاخذ والرد والضمانات لتصل الى خواتيهما السعيدة. ومع توقع المصادر عدم النجاح السريع في التأليف، فإنها تجزم بأن الاسماء المطروحة كبديل عن ميقاتي اما احترقت (تولى ميقاتي حرق بعضها بنفسه)، او لا تحظى بتوافق حولها، او لن تحظى بنسبة اصوات منافسة.
في المقابل، فإن ميقاتي مقتنع، وفق المصادر نفسها، وجوب عدم ترك الساحة لاي احد آخر، وهو لن يلقي سلاحه الاقليمي والدولي والداخلي كرمى لعيون احد، لا بل يطمح جاهداً الى "قطف" ثمار ما تم القيام به خلال المرحلة السابقة وبالتحديد في الاسابيع القليلة الماضية، وينتظر بفارغ الصبر التغييرات التي بدأت تطل برأسها ان عبر التراجع الاميركي الذي سجّل على خط العلاقة مع السعودية وولي عهدها، او عبر ملف ترسيم الحدود، او من خلال ملف استجرار الطاقة... وكلها امور دخل فيها بالتفاصيل وينتظر تفاعلها بشكل اكبر في وقت قريب، ويراهن على انجاز جزء منها في اسرع وقت، مع الاشارة الى ان اتصالاته الدولية وحديثه شخصياً عن القدرات الفرنسية للاستثمار في لبنان، امر يعكس توقه الى تحقيق مكسب واحد ولكن مهم، يصلح للبناء عليه للعودة بشكل رسمي الى السراي والقول بأنه خلال المرحل الحرجة التي تولى فيها مهامه، تمكن من تحقيق خرق مهم في ملف تم تصنيفه على انه "مستحيل"، ووقف في وجه الكثيرين من ابناء طائفته واناس آخرون، وربما اعطى موافقة مبدئية لتلزيم بعض المشاريع الى جهات دولية كالفرنسيين مثلاً، ما يعني ان اسهمه غالباً كبيرة كما ان التحفظ السعودي عليه ليس عالياً كما كان قبلاً، وعودته الى السراي لتصريف الاعمال ليست استفزازية لاحد، لا بل يمكن ان تكون مطلوبة في هذا التوقيت بالذات لابقاء "الستاتيكو" على ما هو عليه لاطول فترة.
ومن المهم الاشارة الى ان تشكيل الحكومة العتيدة مستبعد ان يتم بالسرعة المطلوبة، وان مرحلة تصريف الاعمال هي التي ستسود، وستكون فرصة امام ميقاتي لاعادة اقناع الناس، فيما المشاكل تزداد واولها مع باسيل، ولم تنفع هذه المرة شروط التأليف والتكليف لجهة الاتفاق على حيثية واسماء الوزراء الجدد وتمثيل من يرغب فيها، وهذا يدل على ان ميقاتي قد يكون يملك معطيات ومواقف تطمئنه الى ان الوضع في مرحلة ترقب وانتظار، وهو لا يزال يتمتع بموافقة الثنائي الشيعي... الوضع لا يزال على حاله، فإما ان يجنح لبنان نحو الانقاذ، او ان يبقى في حال ضياع بانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات والمباحثات الجارية على اكثر من صعيد في العالم اجمع. وفي الحالتين، يبدو ان ميقاتي راض عن النتيجة وغير ممتعض منها.