مرة جديدة يعود موقف قوى المعارضة إلى الواجهة من جديد، خصوصاً بعد أن فشلت في التوافق على إسم واحد تخوض من خلاله الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، بالرغم من أن هذه القوى كانت تسعى إلى إنتزاع ورقة التأليف، على قاعدة أن هذا الأمر من الممكن أن يعيد تكريس أكثرية جديدة، على عكس ما ظهر في إنتخابات رئيس المجلس النيابي وهيئة المكتب.
إنطلاقاً من ذلك، كان هناك مروحة واسعة من الإتصالات، أظهرت معالمها الأولى إمكانية التوافق على تسمية السفير اللبناني السابق نواف سلام، خصوصاً بعد أن تمت تسميته من بعض النواب التغييريين، قبل أن يتبين أن هذا الأمر ليس محل إجماع فيما بينهم، لكن المؤشر الأساسي على عدم التوافق كان في موقف النائب أشرف ريفي، الذي كان أول من بادر إلى الإعلان رسمياً أنه لن يذهب إلى التصويت لصالح سلام.
في هذا السياق، تُطرح الكثير من الأسئلة حول موقف الحزب "التقدمي الإشتراكي"، على إعتبار أن الحزب كان يعبر عن رغبة واضحة في عدم تكرار سيناريو ما حصل في إنتخابات نائب رئيس المجلس النيابي، لكن في نهاية المطاف وقع الحزب في المعضلة نفسها، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، أي ترشيح شخصية لا تستطيع الفوز بالمنافسة، الأمر الذي يعود إلى رغبة داخل الكتلة بالذهاب إلى "التغيير"، خصوصاً أن نتائج الإنتخابات النيابية أثبتت أن هناك فئة واسعة داخل الشارع الدرزي تميل إلى هذا الخيار.
على صعيد متصل، كان لافتاً أن الحزب بادر إلى الإعلان عن عدم رغبته بالمشاركة في الحكومة العتيدة، بالرغم من أن الجميع يدرك أنه يمسك بورقة التمثيل الدرزي، الأمر الذي يعتبر البعض أنه مرتبط بظروف التفاوض مع ميقاتي، الذي لم يخف عتبه، بعد تسمية "الإشتراكي" سلام، خصوصاً أن العلاقة بينهما أكثر من إيجابية.
في مطلق الأحوال، تؤكد المصادر نفسها أن هناك قناعة بأن ما حصل على مستوى الإستشارات لن يكون له من تداعيات على العلاقة بين الجانبين، خصوصاً أن "الإشتراكي" كان يؤكد دائماً على العلاقة الجيدة مع ميقاتي، بينما تسميته سلام لم تؤثر على حظوظه، لا سيما بعد الموقف الصادر عن "القوات"، لناحية عدم الذهاب إلى تسمية أي شخصية في الإستشارات.
بالنسبة إلى مصادر نيابية من "اللقاء الديمقراطي"، من المفترض سؤال بقية القوى المعارضة عن سبب عدم التوافق على إسم موحد، وتلفت، عبر "النشرة"، إلى أن هناك إختلافاً في الخيارات والرؤية، معربة عن أسفها لما حصل، بالرغم من تشديدها على أن موقفها ليس موقفاً شخصياً من ميقاتي، وتوضح أن المبادرة إلى تسمية سلام كان الهدف منها تحفيز الآخرين والخروج من دائرة التردد، رافضة الحديث عن الوقوع في "فخ" المسارعة إلى التسمية.
بالنسبة إلى "القوات" هناك قراءة واضحة لما حصل، حيث يؤكد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في الحزب شارل جبور، في حديث لـ"النشرة"، أن الحزب سعى إلى ايجاد موقف موحد لدى القوى المعارضة، لكنه يوضح أن هذا الأمر لم يحصل لعدة أسباب وإعتبارات، أبرزها أن الجميع يتعامل مع المعركة على أساس أن المرحلة الحالية هي إنتقالية، يجب التركيز فيها على الإستحقاق الرئاسي.
بالإضافة إلى ذلك، يلفت جبور أن الشخصيات، التي من الممكن أن تُكلف، لا تريد أن تضع نفسها تحت مقصلة العهد الحالي، أي أنها بحال كُلفت ولم تؤلّف ستحمل مسؤولية الإنهيار أمام الرأي العام، بينما في حال نجحت ستكون قد خضعت لشروطه، ولذلك كان الجميع يفضّل بقاء الأمور على ما هي عليه، ويضيف: "عندما وجد الحزب أن مسألة وحدة الموقف غير متوفرة، فضل أن يكون موقفه الخاص بمثابة رسالة، إلى سلام وغيره من الشخصيات التي قد تُكلف، بأن المطلوب أن تعرض رؤيتها ومشروعها ونظرتها إلى البلاد".
في الوقت الراهن، يتحدث الجميع عن "مرحلة إنتقالية"، بينما هناك من يطرح ضرورة مشاركة "القوات" في الحكومة كي يمنع "التيار الوطني الحر" من الحصول على غالبية الحصة المسيحية في حال تشكلت حكومة جديدة، إلا أن هذا الأمر غير وارد لدى الحزب بحسب ما يوضح جبور، نظراً إلى أنه يعتبر أن المطلوب الإسراع بالذهاب إلى إنجاز الإنتخابات الرئاسية، التي يؤكد أن على النواب مسؤولية تاريخية عند الوصول إليها، نظراً إلى أن التمديد للفريق السياسي الحالي يعني تمديد الأزمة.
في المحصلة، هناك من يرى أن الكلمة الأساسية، في جميع الإستحقاقات المفصلية، ليست داخلية، بالدرجة الأولى، بل خارجية، على قاعدة أن تسمية ميقاتي كانت قراراً فرنسياً، تمت الموافقة عليها من قبل الولايات المتحدة و"حزب الله"، بينما لم تتم معارضته من قبل المملكة العربية السعودية.