إنّ العدل أساس المُلك" و"إذا حكمتُم بين الناس أن تحكموا بالعدل" بداية أستشهد بهاتين العبارتين واحدة كُتِبَتْ على جدار محاكم العدل والأخرى آية قرآنية، والعديد من اللبنانيين الأصدقاء وحتى الأخصام يراجعونني في أرض الغربة مستفسرين عن أوضاع أبنائهم حيث البعض منهم في رعايتنا علميًا وعملاً، ويستطردون في السياسة نادبين أوضاعهم السياسية والأمنية والإقتصادية المالية والإجتماعية. أحاول جاهدًا التخفيف عنهم ولكن عبثًا، وخصوصًا عندما أطلب منهم أنْ يحكموا بالعدل على حُكام يشكونهم في كل مناسبة، صحيح قانونيًا أنّ العدل هو قيمة إنسانية عامة ولا يمكن قصرها على وضع معين، ولكن في حالة المجتمع اللبناني وبكل مصائبه نجد العدل في خبر كان، حيث تغيب العدالة ويسود الظلم والإستكبار والأنانية والتجبُّرْ والإرتهان الأعمى... كان العدل ميزانًا في الأيام الماضية على أيام زعامات من طينة العظماء أمثال: ريمون إده، كميل شمعون، البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، الأباتي شربل قسيس، رشيد كرامي، عبدالله اليافي، صائب سلام، وغيرهم من عظماء الأمّة اللبنانية، هؤلاء إرتكزوا على مفهوم العدل ليس فقط كعملية قضائية، ولكن على أساس تقييم السياسة ذاتها. فالسياسة عندهم رسالة عطاء ومحبة وإخلاص وصدق .
إخواني حكِّموا ضميركم ولا تتخذوا بالشعارات فما دام الحاكم عادلاً ما دام حاكمًا عظيمًا رسولي النهج، وبالطبع يستدعي عدله الحق بالسياسة الصادقة المبدعة وتوّلي شؤون الناس. نعم عليكم أنْ تنظروا إلى السياسية الصادقة من باب التداول الديمقراطي للسلطة، بإعتبارها آلية لنظام سياسي يوجد فيه العدل حتمًا بشكل أكبر من النظم الأخرى. شاركت منذ فترة في أحد الإجتماعات هنا في فرنسا وعلى جدول الأعمال أحد البنود الرئيسية "مناقشة السياسة العامة في الجمهورية اللبنانية"، بالطبع كانت الدعوة من مجموعة لبنانية مقيمة متأثرة بالوضع العام في لبنان وتريد البحث عن حل. أحد الحاضرين إعتبر أنّ مبدأ السياسة العامة وفقًا للعلوم السياسية هي الأداة ذات الأهميّة الأولى التي من المفترض أنْ تعتمدها السلطة المنبثقة عن إنتخابات حرّة ونزيهة لحلّ المعضلات التي تُعاني منها الجمهورية اللبنانية، وذلك على نتيجة يرغب فيها المجتمع ويتعذّر بلوغها بشكل تلقائي من دون معالجة سلطويّة شرعيّة مبنيّة على أسُسْ سليمة .
من حيث المبدأ إنّ السياسيين اللبنانيين يتوّلون صياغة وتنفيذ عدد كبير من السياسات وبمختلف مندرجاتها الإقتصادية والمالية والإجتماعية وحتى الأمنية، على غرار الأنظمة التوتاليتارية وعمليًا نلاحظ العديد من الغموض يشوب تلك المقاربات، وتتعرض الجمهورية إلى مشاكل جمّة نتيجة تنفيذ هذه السياسات، والأمر المؤسف أنّ الشعب اللبناني مُكبّل ومُضلَّل، وفي أغلب الأحيان غير مبالٍ، وذهنيته في حالة نقاهة طالت إقامتها خارج إطار المحاسبة. السياسة في لبنان هي مزيج من مصالح خاصة ولعبة إقليمية-دولية بمشاركة محلية عن سابق تصوّر وتصميم، لأنّ الحاكم في لبنان هو نِتاج إنتخابات أعطته الحق بالتصرف بمصير البلاد، وهنا يستوقفني أمر مُهين، كيف يقبل رأي عام كبير بلغتْ نسبته الـ59% أنْ تُقرِّرْ فئة مُضلّلة وضئيلة عنه؟ وكيف يرضى لنفسه التكيُّف مع أمر واقع سياسي لا ينطبق والصالح العام؟.
إخواني في لبنان مع كامل محبّتي لكم إنْ راقبتم الأمور فبالعدل إحكموا بالله عليكم، ورجاء منكم وبصيغة أخوية إنّ مفهوم الديمقراطية السليمة هو المحاسبة العادلة وهذا الأمر يتطلب فعلا سياسيا شريفا والإنتقال من حالة التبعية والدكتاتوريّة أو الأحاديّة وما يحيط بهما من فئات مقرّبة إلى مستوى أدنى سلطوية. أنتم النخب المفكرة وعليكم التحكيم بخلق رأي عام مقدام يعتمد على كل أنواع المعرفة والإبداع .
إخواني لقد ثبُتَ أنّ الحالة الراهنة وعلى ما هي عليه من فجور سياسي لا تُقاومها إلاّ منظومة سياسية تملك كل درجات المعرفة والمصداقية المُطعمة بالقانون. المطلوب اليوم منّا ومنكم العمل والفعل الثقافي والفكر والإنتاج السياسي الشريف ومحاكاة القضاء النزيه وبناءً عليه نضع كل إمكانياتنا المتواضعة وتحديدًا مكتبنا في بيروت في تصرف القضاء النزيه والسياسي الشريف والإعلامي النزيه، علّنا نتمكّن بهمتنا وهمّة الله وصلاة أهلنا من إعادة الأمور إلى نصابها؛ فهيّا أيُّها الشرفاء إلى العمل.
*سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، الموّدة.